الأربعاء 2017/08/09

آخر تحديث: 17:57 (بيروت)

بين "سيلفي موغيرني" و"نساء روحاني"..

الأربعاء 2017/08/09
بين "سيلفي موغيرني" و"نساء روحاني"..
increase حجم الخط decrease
إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني عن تشكيلته الوزارية وتسمية وزراء حكومته الجديدة، بدد آمال الكثير من الإيرانيين الطامحين للتغيير وكرّس العديد من مخاوفهم، بعدما خلت التشكيلة من العنصر النسائي ومن الشباب والأقليات الدينية المنتشرة في البلاد، عدا عن أن إقصاء الإصلاحيين الذين كانوا يمنّون أنفسهم ببعض المقاعد الوزارية كانعكاس لطموحاتهم وتحالفهم الانتخابي مع الرئيس روحاني، الذي أدار لهم ظهره، وهو ما اعتُبر تجاهلاً صريحاً منه لمختلف الدعوات والمطالبات بالوفاء بوعوده في إحقاق المساواة ودعم حق المرأة بالمشاركة في القرار السياسي.


روحاني الذي كان دعا سابقاً في مناسبات عديدة، إلى دعم حقوق المرأة ومساواتها بالرجل من خلال إيصالها إلى مراكز في السلطة والقرار في السياسة الايرانية باعتبار أن المرأة لحقها الغبن، ووضعت العراقيل أمام وصولها الى المركز الذي تستحقه، نثر وعوده في كل حدب وصوب بالتزامه بالعمل على تغيير هذا الواقع وتحسين وضع النساء في السياسة والمجتمع، ما جعل تشكيلة حكومته الجديدة الخالية من العنصر النسائي تمثّل خيبة أمل كبيرة للتيار الإصلاحي ومؤيديه، الذين ساندوه في حملته الانتخابية وإيصاله للفوز بالرئاسة، وتحقيقه التقدم على منافسه ابراهيم رئيسي المتشدد المدعوم من المحافظين.

لكن تبقى الخيبة الأكبر من نصيب الإيرانيات، اللواتي أيدن روحاني، أملاً بالعبور نحو واقع جديد يُفضي إلى إلغاء أشكال التمييز ضدّهن، بعدما تمّ استبعادهن من المشاركة في كل الحكومات الايرانية المتعاقبة بعد الثورة الايرانية، التي لم تشهد سوى استثناء واحد تمثل بتعيين مرضية داستجردي التي شغلت منصب وزيرة الصحة في ظل حكومة الرئيس السابق أحمدي نجاد بين عامي 2009 و2013.

المحاذير والمخاوف التي يحملها قيادات وجمهور المعارضين لسلطة رجال الدين تكرّست مفاعيلها، بعد جنوح روحاني للانصياع لطلبات المتشددين، والتي انبثقت الحكومة الجديدة من ضمن مندرجات انصياعه لمطالبهم، بعدما بات معروفاً أنها تمّت بتوجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي وقيادات في الحرس الثوري والقضاء، الأمر الذي عبّر عنه رئيس حزب "وحدة الشعب" الإصلاحي، علي شخوري، في تصريحات صحافية، بقوله إنّ "روحاني بعدما أثار تطلعات كبرى كنا نطمح إليها، بدا اليوم أنه ابتعد مسافة عنها"، معتبراً أن عدول الرئيس الإيراني عن تعيين نساء في مناصب وزارية، يعكس ميله نحو تفادي التصادم مع رجال الدين وتجنّب أي صعوبات محتملة في بداية ولايته، التي تواجه أساساً تعقيدات متزايدة في الداخل والخارج.

وفي حين وجّه حلفاء روحاني ومؤيديه من الإصلاحيين رسائل عديدة للرئيس تحذّره من الاستسلام أمام سلطة رجال الدين وأصحاب الفكر المتشدد الآخذين بالبلاد نحو الانعزال والانغلاق عن المجتمع الدولي، فإن الانطلاقة الجديدة لعهد روحاني، بما حملته من أحداث ومؤشرات، لا يبدو أن مسارها سيكون سلساً بل إن تداعيات ما حصل عقب مؤتمر تنصيب الرئيس والإعلان عن وزراء الحكومة الجديدة أوقعت روحاني في مأزق المواجهة مع كلٍ من الإصلاحيين والمتشددين على حدّ سواء، إذ لا يقتصر الجدل الحاصل على الخيبة التي تسبب بها روحاني للإصلاحيين، بل إن السجال الذي تسببت به "سيلفي موغيرني" حوّلها لقضية رأي عام في إيران، وصلت مفاعيلها لأعلى المستويات، مع إعلان أحد أعضاء البرلمان عن إمكانية إحالة النواب (الذين اصطفوا حول منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديركا موغيرني، عقب انتهاء مراسم تنصيب الرئيس حسن روحاني، لأخذ صورة "سيلفي" معها)، إلى لجنة الإشراف على سلوك النواب، وفتح تحقيق إذا ما تقدّم نواب البرلمان بشكوى ضدّ سلوك زملائهم.

لكن الأدهى من ذلك، هو ما طالب به مساعد مركز الدراسات الاستراتيجية، محمد فاضلي، بإقامة ندوة حول "سيلفي موغيرني" من قبل جمعية علم الاجتماع والعلوم السياسية الإيرانية بحضور نواب البرلمان والخبراء، بهدف "منع تكرار ما حدث والبحث في الأسباب البنيوية التي أدّت إلى حدوثه".  وإمعاناً في المغالاة ذهب المسؤول الإيراني بعيداً، وذلك بتحويله لحظة "السيلفي" العابرة والعفوية إلى "حدث كبير" يستحق البحث والنبش في دوافعه ومسبباته، مقدماً اقتراحات أسئلة تستوجب برأيه أن تُطرح في الندوة المذكورة، حول ما إذا كان السبب وراء التقاط السيلفي هو أن موغيرني امرأة؟ أو كونها شخصية سياسية حضرت مراسم اليمين الدستورية؟ أم أن السبب يرجع لعدم اطلاع النواب على البروتوكلات والأعراف السياسية وافتقارهم للخبرة في مجال السياسة الخارجية وشعورهم بالنقص في التواصل مع وسائل الإعلام الغربية؟!

المبالغة والمغالاة في طرح الأسئلة والتحليلات المتعلقة بالموضوع فاقت حجمه بأضعاف، بعدما رافقتها حملة في مواقع التواصل حملت شعارات متطرفة مثل "سيلفي العار" و"سيلفي التحقير"، واضعة ما فعله النواب في سياق الانبطاح والاستسلام أمام الغرب الذي يُعتبر "عدو إيران الأول"، في حين ألبس البعض الفعل طابعاً جنسياً وإباحياً يعكس "ولع النواب لأخذ صورة مع امرأة إيطالية أوروبية"، وهو الرأي الذي تبنته الصحف المقرّبة من المتشددين والمحسوبة عليهم، ما عكس تكاملاً في تقسيم الأدوار لجهة الهجوم على النواب الذين فاق عددهم الـ10، ممن أرادوا إيصال رسالة للمجتمع الأوروبي بأن الشعب يتوق للانفتاح والتحرر. في حين عكست ردود أفعال المحافظين والمتشددين مدى مأزقهم في فعل مدلولات المعادلة واستيعاب مختلف انعكاساتها الإيجابية التي تحمل أكثر من معنى ورسالة تهدف للانفتاح على أوروبا من خلال محاباة ممثلة الاتحاد الأوروبي كدعوة للترحيب والانفتاح على الأوروبيين والرغبة في بناء علاقات جيّدة معهم إثر إجراءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب العدائية المتشددة ضد إيران، والتي تمثلت من خلال فرضه لعقوبات اقتصادية جديدة عليها والسعي لعزلها وحصارها دولياً.

لجوء المتشددين والمحافظين في إيران لإطلاق تهم العمالة الجاهزة ضدّ خصومهم ومحاولة تفسير سيلفي موغيرني، بأنه أمر ينطلق من أفعال غرائزية ووصمهم بجالبي العار لإيران، يعكس حجم المأزق الذي يعيشه مطلقو هذه الحملة في بداية عهد روحاني الجديد، ما يشكّل انعكاساً للأساليب المتّبعة في المواجهات المقبلة التي سوف تطاول هذا العهد على مختلف الصعد. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها