الخميس 2017/08/03

آخر تحديث: 18:42 (بيروت)

"الاعلام الحربي" هو الإعدام المرئي

الخميس 2017/08/03
"الاعلام الحربي" هو الإعدام المرئي
الاعلام الحربي.. هو اعدام مرئي
increase حجم الخط decrease
جمع آخر فيديو بثه "الإعلام الحربي المركزي" التابع لحزب الله على قناته في "يوتيوب" بين أمرين: الأول، مقطع صغير من خطبة الامين العام حسن نصرالله، الذي يقول انها "المرة الأخيرة" التي سيتحدث فيها عن جرود عرسال. والثاني، مشاهد من تقدم عناصر الحزب اياه في تلك الجرود، وإطلاقهم للرصاص والصواريخ، قبل زرع أحدهم لعلمي حزبه ولبنان فوق تلة من التلال، وتوجيهه التحية إليهما. 
بيان الرسالة: لما يقرر القائد أنها "المرة الأخيرة" التي سيتطرق فيها الى موضوع الجرود، سيمضي جنوده الى ازالة هذا الموضوع من الوجود، ما يؤدي الى انعدام تداوله في الكلام لاحقاً. وبعبارة أخرى، لتحقيق قرار القائد، أو "وعده"، حيال انتهائه من موضوع ما، لا طريق الى ذلك سوى عبر نفي الموضوع نفسه.

فلكي تكون "المرة الأخيرة"، التي يتحدث فيها نصرالله عن الجرود، لا بد من فعل بعينه، وهو الاطاحة بالجرود. وهكذا، لا يعود من الممكن التلفظ بأي شيء عنها. اذ أنه بعد كلمة القائد التي صارت حرباً، انتهى الكلام عن الجرود، لأنها، وببساطة، جرى استئصالها من الخريطة. أين الجرود؟ ليست موجودة، هذا ما قرره القائد في حديثه عن "المرة الأخيرة"، وهذا ما عمدت الحرب الى تحقيقه.

ما يهم هنا هو أن "الاعلام الحربي المركزي"، وبالاستناد الى كيفية ربطه بين كلمة نصرالله، والحرب التي تنفذ هذه الكلمة وتثبت فحواها، يعمل وفق آلية محددة، بحيث أنه كجهاز ميديوي لا يذهب الى تصوير موضوع ما الا على سبيل ازالته ومحيه حتى يغدو معدوماً بعد التقاطه.

فكل موضوع تصوره كاميرا "الاعلام الحربي المركزي"، تفعل ذلك حياله بعدسة "المرة الأخيرة"، بعدسة الإطاحة به، كما لو أنها تجعله مرئياً لكي تعمد الى اجتثاثه، فيضحى سجين صورته، التي لما تنقضي، ينقضي معها. 

على هذا النحو، تسير تلك العدسة برفقة السلاح، تماماً كما في غالبية فيديوات "الاعلام الحربي"، مثلما أنها تندمج معه لتكون وإياه وسيلة عسكرية واحدة، كما في حالة الفيديوهات المسجلة بواسطة طائرات الدرون، التي تمزج بين الدورين الحربي والتصويري. وكلاهما، تمارسهما من الأعلى. 

وقد يصح، في هذا السياق بالتحديد، تذكر ما كتبه غريغوار شمايو في كتابه "نظرية الدرون" (دار لافابريك)، معتقداً أن الطائرة التي بدون طيار تجيب على سؤال "أين ميدان المعركة؟" عبر التقاطه بطريقة، يستحيل بفعلها أرضاً بطبيعة ميتة، أرضاً بلا تضاريس، ومستوية وقادرة على ابتلاع محيطها. أين الجرود؟ ليست موجودة، لكن، من المتاح لأي مكان، بحسب منطق "الدرون"، أن يكونها.

غير أن تعامل الجهاز الميديوي لحزب الله مع موضوع تصويره يتصل بوظيفته الدعائية الواضحة، التي تجعله يساوي بين إعلامه عن ذلك الموضوع وإعدامه له. بيد أن هذا الجهاز بدا في الأيام الماضية أنه وجهة الإعلام المرئي اللبناني، اذ أن كاميرات التلفزيونات حذت حذو عدسة "المرة الأخيرة"، وهي لا يمكن أن تعمد الى ذلك بدون أن تجد في جهاز الحزب نموذجها، وبدون أن تجد فيه أنه يحقق ما تضمره، وتعمل على أساسه. 

فالاعلام المرئي اللبناني يقتدي بـ"الاعلام الحربي". يتمثل به، وينهج على منواله، إذ يريد أن يكون اعداماً مرئياً. وهذا، لا ينفصل عن كونه، وبدوره أيضاً، يصور موضوعه على سبيل نفيه، وإزالته. "الاعلام الحربي" هو خلاصة، قلب الميديا المرئية اللبنانية، القلب الذي اصبح المثال، ولهذا، في استطاعته أن يجر كاميراتها خلفه، وأن يمدها بما يبغي. 

بيان الرسالة من جديد: حين يقول الامين العام حسن نصرالله "انها المرة الاخيرة التي اتحدث فيها عن الجرود"، يبدو جهاز حزب الله الميديوي أنه يتلقى كلمة القائد على هذا الشكل: "انها المرة الأخيرة التي أريد أن أسمع فيها حديث عن الجرود"، ولذلك، يعمد الجهاز الى محي الجرود وإزالتها. ومن ناحيته، الاعلام المرئي اللبناني يقتدي بذلك الجهاز، ويذهب معه في مهمةٍ، تعبر عنه، في مهمةٍ تسمح له بإطلاق العنان لخلاصته: الإخبار عن موضوع ما يعني الإتيان عليه، يعني الإتيان بخبره.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها