الإثنين 2017/08/28

آخر تحديث: 17:00 (بيروت)

جنود الأسد في "معرض دمشق": مَن يتفرّج على ماذا؟

الإثنين 2017/08/28
جنود الأسد في "معرض دمشق": مَن يتفرّج على ماذا؟
increase حجم الخط decrease
ارتبطت صورة الجندي والجيش في ذاكرة السوريين بالشقاء والحياة القاسية والملابس المهترئة والعقوبات الجماعية من الضباط البعثيين المترفين في ظل بلاد قدّس نظامها السياسي الحياة العسكرية وحولها لنمط حياة إجباري، في الملابس المدرسية الموحدة حتى وقت قريب وفي الخدمة العسكرية الإلزامية التي تشكل كابوساً للشباب وعائلاتهم، لكن تلك لم تكن الصورة البراقة التي نقلتها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، في تقريرها عن بطولات جيش النظام ودوره كمحرر وحيد للبلاد من الإرهاب.


وتناست "الوطن" وجود آلاف المقاتلين الأجانب في سوريا، والدعم العسكري المباشر للنظام من حلفائه الروس والإيرانيين، وحاولت في تقريرها المصور الذي بثته قبل أيام عبر قناتها الرسمية في "يوتيوب" وتناقلته الصفحات الموالية بكثافة، رسم صورة "وطنية" للجيش السوري، على أنه المحرر الوحيد للبلاد من الإرهاب والسبب الوحيد "للنصر"، في وقت بات فيه مصير الميليشيات الأجنبية الموالية للنظام سؤالاً لا يقل أهمية عن التساؤل الأبدي حول مصير الرئيس السوري الأسد في سوريا المستقبلية.

التقرير عبارة عن مقطع فيديو من 15 دقيقة تقدم فيه الصحيفة عبر مراسليها الميدانيين وسيم عيسى وعمار بدوي، بروباغندا رديئة الصنع، لجنود من جيش النظام يتركون الجبهة المشتعلة في عين ترما في الغوطة الشرقية بريف دمشق، لزيارة معرض دمشق الدولي، في ثياب نظيفة متأنقين مبتسمين طوال الطريق وهم يتحدثون عن دورهم "الوحيد" في "تحرير سوريا" قبل التقاط الصور مع السيدات والأطفال في المعرض مع إشارات النصر.


ويجد النظام نفسه في حاجة ملحة لإعادة تقديم نفسه على مختلف الأصعدة مع اقتراب الحرب السورية من نهايتها وضمان بقاء الأسد في السلطة تقنياً، ولهذا يتم تكثيف هذا النوع من البروباغندا التي ترسم صورة "وطنية" للرئيس أو زوجته أسماء الأسد أو للوزراء ومجلس الشعب وللجيش أيضاً وغيرها من السلطات "السيادية" في البلاد، ولا يعتبر ذلك تمهيداً لعقد اجتماعي جديد في بلاد لا يوجد فيها أصلاً مثل هذا المفهوم الديموقراطي، بل تمهيداً لمرحلة ما بعد الحرب حيث لن يكون النظام هو الفاعل الوحيد في السلطة الفعلية ما يجعل "الاستثمار" في تأمين دعم شعبي له في مناطق سيطرته أمراً شديد الأهمية.

والحال أنه منذ الإعلان عن "عودة" مهرجان دمشق الدولي بعد توقف 6 سنوات، كانت ماكينة الدعاية التابعة للنظام السوري تروج للانتصار وعودة الحياة السورية إلى طبيعتها، ليس فقط في محيط العاصمة والغوطة الشرقية حيث مدينة المعارض نفسها، بل في كامل سوريا بموازاة التصريحات الغربية التي أكدت بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه لفترة مقبلة. لكن فيديو "الوطن" يتجاوز ذلك نحو تلميع صورة الجيش السوري وتقديمه على أنه جيش وطني لا جيش الأسد فقط، علماً أن صورة الجيش نفسها كانت مهزوزة في أعين كثير من السوريين، حتى قبل الثورة السورية العام 2011.

ولسنوات ارتبطت فكرة الجيش في المخيلة الجمعية الشعبية بأفكار البؤس وسوء الظروف بالنسبة للشباب الذين يعانون التجنيد الإجباري من جهة، وبالفساد والحياة المرفهة التي ينعم بها الضباط العلويون تحديداً من جهة ثانية، فضلاً عن ظلال بعيدة لمجزرة حماة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي التي قام بها الجيش نفسه ضد السوريين الذين يفترض أنه يدافع عنهم. ولم تتراجع تلك الصورة المتوجسة من العسكر حتى بعد وفاة حافظ الأسد وانتقال السلطة إلى ابنه بشار، حيث بقيت الحياة العسكرية الجافة كما هي بما في ذلك اشتراط التحاق طلاب الجامعات الذكور بمعسكرات تدريب عسكرية كشرط للتخرج! ليتفاقم ذلك كله بعد الثورة نفسها وتحول الجيش إلى آلة قتل ضد السوريين أنفسهم في المناطق المعارضة أو المناطق الموالية التي يتم اقتياد شبابها إجبارياً للخدمة العسكرية من دون مدة محددة لتسريحهم.

وهنا يتم تقدم "الوطن" جنوداً من مناطق سوريّة مختلفة، فنلاحظ جنوداً من حلب ودمشق والساحل السوري ومن القلمون أيضاً، لإعطاء انطباع إضافي بأن الجيش السوري جيش وطني يضم كافة السوريين على قدم المساواة من أجل الدفاع عن الوطن، وهي جملة تكررت كثيراً على ألسنة الجنود والمدنيين في المعرض على حد سواء، وكأنها رد على اتهامات المعارضين للجيش بأنه مجرد ميليشيا مجرمة، بالتزامن مع زخم كبير في الإعلام الموالي مؤخراً لتقديس صورة جيش النظام، بما في ذلك الدعوات لتقبيل الحذاء العسكري كشرط للعودة اللاجئين والمعارضين للبلاد، وهو أمر تكرر في تقرير "الوطن" أيضاً.

ولا ينفي التقرير حياة البؤس والطريقة المجحفة التي يتعامل بها النظام مع جنوده، بل يستثمرها في مقدمة التقرير بعرض ملامح سريعة من حياة الجنود السيئة في ثكنة متواضعة، من أجل خلق شعور بالشفقة منذ الثواني الأولى كي يتطور إلى إعجاب بأفكار التقرير الدعائية. علماً أن بؤس جنود النظام لا يعتبر سراً، بل كان الحديث عنه رائجاً في الأيام الماضية بعدما نشر جنود روس صوراً تقارن بين الوجبات الغذائية التي يتلقونها يومياً وبين ما يتلقاه جنود النظام السوري، والذين يتواجدون معاً على جبهة واحدة.


في ضوء ذلك، من نافل القول أن صورة الجيش تشهد استقطاباً حاداً بين موالي النظام الذي يرونه أسطورة للبطولة والمعارضين الذين يرونه أداة لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ووسط هذا المشهد القاتم يبقى التساؤل حول مصير الميليشيات المنتشرة في البلاد جوهرياً، مع عدم وجود أي طروحات سياسية واضحة بهذا الصدد، علماً أن تقارير غربية نقلاً عن وثائق مسربة من وزارة الدفاع السورية، تقدر عدد المقاتلين الذين جندهم النظام السوري بين 50 إلى 89 ألف مقاتل شيعي من جنسيات مختلفة إلى جانب 10 الاف جندي من الحرس الثوري الإيراني وآلاف المقاتلين من حزب الله، وهي أرقام مبالغ فيها بنظر وسائل الإعلام التي تميل لتقدير عدد المقاتلين الشيعة في البلاد بين 15 إلى 25 ألفاً فقط، بما في ذلك مقاتلو "حزب الله"، كما أشارت تقارير استخباراتية غربية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2016 إلى أن عدد القوات الروسية في سوريا يزيد عن 25 ألف عسكري مقابل 4500 جندي تصرح وزارة الدفاع الروسية بوجودهم رسمياً في البلاد في ذلك التاريخ.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها