السبت 2017/08/26

آخر تحديث: 13:10 (بيروت)

"المنسّق الإسرائيلي" يكذب.. ويجد من يصدّقه!

السبت 2017/08/26
"المنسّق الإسرائيلي" يكذب.. ويجد من يصدّقه!
يريد "المنسق" أن يستعرض "انسانية اسرائيل" المزعومة
increase حجم الخط decrease
"نلفت انتباه السلطة الفلسطينية إلى أن السفر من رام الله إلى غزة ساعة واحدة فقط، والمسافة بين فنزويلا ورام الله اكثر من 10,000 كيلومتر".. جُملة حاول منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، الجنرال يؤاف مردخاي، عبرها، أن يُظهر نفسه "حنوناً" على سكان غزة أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، بل وأكثر، حينما علّق "المنسق" بإزدراء وسُخرية على ارسال السلطة الفلسطينية قبل أيام شُحنة مساعدات طبية الى فنزويلا في مقابل ما اعتبره "تشديد السلطة للخناق على غزة".

غير أن جملة مردخاي اقترنت بصورة لشحنة المساعدات الطبية المذكورة، كُتب فيها تساؤل: "عباس يساعد فنزويلا بمعدات طبية ولكن ماذا عن الفلسطينيين؟"، وتهدف في عُمقها إلى ترسيخ حالة الانقسام الفلسطينيّ وإثارة الفِتَن المناطقية والسياسية، لا سيما أنه استخدم في عبارته هذه "رام الله وغزة". ودأب "المنسق"، عبر صفحته الفايسبوكية المدعومة رسمياً، أن يدق إسفيناً بين الفلسطينيين، ويضرب عصفورين بحجر واحد من خلال التدخل في شأنهم الداخلي، واطلاق تصريحات في قضايا اجتماعية واقتصادية مرتبطة بمعاناة سكان الضفة الغربية وقطاع غزة.
فمن جهة، يريد "المنسق" من وراء ذلك أن يستعرض "انسانية اسرائيل" المزعومة عندما ينشر أخباراً عن حجم شحنات المحروقات التي تسمح دولته العبرية بمرورها إلى غزة بين الفينة والأخرى، وإن "بالقطّارة"، بالترافق مع صورة يقول إنها تظهر جنوداً اسرائيليين عند معبر بيت حانون-ايرز شمال غزة وهم يساعدون مريضاً يريد العلاج في مستشفيات اسرائيلية أو فلسطينية في الضفة. ومن جهة ثانية، يريد أن يقول إن الفلسطينيين.. يحاصرون أنفسهم! 

ولعل استغلال الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي، مسألة المناكفات بين حركتي "فتح" و"حماس" في قضية الكهرباء، على سبيل المثال لا الحصر، وقرار رئيس السلطة محمود عباس بوقف دعم كهرباء غزة، نكايةً في "حماس" ورداً على تشكيلها "اللجنة الإدارية" لحكم القطاع، خير مثال على ذلك. فمردخاي خرج ليدّعي أن اسرائيل رفضت طلباً للسلطة بوقف الكهرباء عن غزة، ولجأت من باب "الحكمة" إلى تقليص التيار بدلاً من ذلك، حتى لا تتفاقم الأمور الإنسانية والمعيشية في القطاع.

ولعل في العصفورين اللذين يسقطهما الجنرال الاسرائيلي، عبر "البروباغندا" سالفة الذكر، مسعى إلى التأثير في الرأي العام الفلسطيني، عبر اثارة النعرات والفتن السياسية والمناطقية بين الضفة وغزة، مررواً بتجنيد شريحة فلسطينية محابية لإسرائيل. وكذلك فإنه يستهدف المجتمع الدولي، ليزوّر الحقيقة، ويتناسى حقيقة الحصار الاسرائيلي لغزة طوال عقد من الزمن، ليقول إن اسرائيل ليست مَن تحاصر غزة كما يزعم الفلسطينيون، بل هي "انسانية" وتفعل ما بوسعها لتسهيل الحياة على سكان القطاع، في مقابل امعان الفلسطينيين في محاصرة بعضهم البعض.

ربما سهّل الفلسطينيون، عبر مناكفاتهم وصراعاتهم، عن قصد أو من دون قصد، على الاحتلال الإسرائيلي، ترسيخ البروباغندا المزعومة الخاصة به، إلّا ان الحقائق تتكلم في هذا السياق أيضاً وتكذب ادعاءات مردخاي، فالشمس لاتُغطى بالغربال. إذ أن العديد من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية، لا سيما المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ورابطة "أطباء لحقوق الإنسان"، أظهرت حجم الإبتزاز الإسرائيلي للمرضى الغزيين وحاجاتهم الإنسانية عبر محاولات استمالتهم عند "معبر ايرز" ومقايضة السماح لهم بالعلاج، بالعمل مع المخابرات الإسرائيلية. وقد وُثقت في هذا المضمار شهادات عديدة، جعلت الحقوقيين يحذّرون الإحتلال من مغبة هذا الاسلوب الممتهن للإنسان الفلسطيني وحاجاته اليومية والأساسية.

ولا يملّ مردخاي، فها هو ينشر صورة لأمٍّ من غزة وبصحبتها طفلان بمعية أحد الجنود الإسرائيليين عند "معبر ايرز"، ويكتب أعلى الصورة: "أخ من غزة يتبرع بكليته لأخيه. الأخوان صغيرا السن، خرجا برفقة أمهما من قطاع غزة إلى الأردن عن طريق  معبر ايرز... الإدارة المدنية ومديرية التنسيق والارتباط، تلقوا الطلب من الأم، وعملوا كل ما في وسعهم لنقل الأم وولديها بالسرعة الممكنة من أجل عملية الزرع. نتمنى للإخوة وللأم السلامة ونجاح العملية... لا توجد هدية من أخ لأخيه أثمن من أن يهديه جزءً منه!". ثم نراه يذيل المنشور بهاشتاغ #الانسان_أولاً، كمحاضر في الإنسانية!
ومع ذلك، فإن هناك من الفلسطينيين مَن يعي أكذوبة مردخاي ويتصدى لها، فيعلقون بالتشكيك براويته وتذكيره بالحقائق إزاء مَن يأمر بحصار غزة على مدار السنوات العشر الأخيرة، وعدم السماح ولو لنملة بالمرور عبر "معبر ايرز"، علاوة على تعقيد تصاريح العلاج والزيارات التي يتقدم بها الغزيون من أجل المجيء إلى الضفة الغربية. ثمة الكثير من النساء والاطفال الذين توفوا لأن اسرائيل رفضت أو تلكأت في اعطاء تصاريح لعلاجهم في مستشفيات الضفة أو الخط الأخضر.

لكن في المقابل، هناك ايضاً رواد عرب في المنصة الإفتراضية يتساوقون مع "رواية مردخاي"، فيذهبون إلى الثناء على انسانية اسرائيل المزعومة، ويقارنون بين "الرأفة الإسرائيلية" وظُلم ذوي القُربى، فيجدون من يعلّق عندهم بكلمة "صدقت"، ثم يبدأ الشجار الرقمي بين المتفاعلين، مع ما يقوله "المنسق" وضده، في صفحتة الفايسبوكية.

ويؤكد متخصصون في الشأن الإسرائيلي أن "بروباغندا مردخاي" جزء من سياسة اسرائيلية تم تبينها من المؤسسة السياسية والأمنية في تل ابيب على مر سنوات طويلة، لكنها تعززت عبر منصة الاعلام الإجتماعي في هذا الوقت، من أجل تحقيق بُعدين؛ الأول: تغيير نظرة الفلسطينيين الى الاحتلال، وأن "اسرائيل ليست الاحتلال السيء الذي يظنه الآخرون، بل انها اكثر حرصاً على الشعب الفلسطيني من قياداته"، على حد ادعائها.
أما البعد الثاني، فيكمن في تحقيق التواصل المجتمعي المُباشر، عبر كسر وإذابة الحواجز امام التواصل المباشر بين الفلسطينيين والمنسق الإسرائيلي. وللأسف، نجد مِن تعليقات البعض في صفحة "المنسق" أن البعض يتعاطى مع ما يقول، ويطلب منه المساعدة لعلاج مريض او الحصول على تصريح عمل، وهلم جرّاً. 
وبين المتماهي مع "رواية مردخاي الإنسانية" والرافض لها، تتعاظم المخاوف من ان يؤدي ذلك تراكمياً إلى ولادة تيارات تُؤمن بالإحتلال، غير أن مراقبين يرون ايضاً أن هذه البروباغندا تخلق تيارات فلسطينية وعربية مُناهضة للأكاذيب الإسرائيلية وحريصة على مجابهتها ودحضها. لكن مجرد انقسام العرب والفلسطينيين اتجاه ادعاءات مردخاي، أمر ليس صحياً، فكيف نجد هذا الإنقسام حيال قضية يجب أن تكون محل إجماع؟!.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها