الأربعاء 2017/08/02

آخر تحديث: 19:22 (بيروت)

الإعلام اللبناني.. وفاقٌ على النفاق

الأربعاء 2017/08/02
الإعلام اللبناني.. وفاقٌ على النفاق
ما تحمله كلمة "الأمر لك" من معانٍ في قاموس حزب الله، تختلف في الجوهر والمضمون عما درج العرف عليه (غيتي)
increase حجم الخط decrease

"الأمر لك.. والمجد لك"، تفتتح قناة "المنار" نشرتها الإخبارية المسائية مخطابة الجيش اللبناني بعيده الـ72، متوجة سياسة حزب الله الدعائية الهادفة للتلطّي خلف الجيش اللبناني وشعاراته، كجزء من مسعى متكامل يهدف من خلاله الحزب إلى حماية نفسه إثر تعرضه لحصار غير مسبوق من مجموعة دول على رأسها الولايات المتحدة، التي أقرت عقوبات جديدة بحقه وبحق مؤسساته المدنية ومن يمولها، ما جعل الحزب يحاول تبرئة نفسه من تهم "الارهاب" الملقاة على عاتقه، إن كان من خلال تماشيه مع ما انتهجه النظام السوري الذي يطرح نفسه المتصدّي للإرهاب، أو قتاله جبهة النصرة في جرود عرسال في محاولة منه لتكريس هذه الصورة عن نفسه.

لكن ما تحمله كلمة "الأمر لك" من معانٍ في قاموس حزب الله، تختلف في الجوهر والمضمون عما درج العرف عليه، إذ جاء استتباعاً لها في مقدمة النشرة من خلال تسميتها للجيش بأنه "توأم المقاومة في كل ساحات النضال" و"جنوده أخوة حتى استحالوا مقاومين وشركاء في العز في الجرود وعلى حمى كل الحدود".  ويزيد تمييع إرجاع شعار "الأمر لك" حين تستكمل "المنار" اعتبار نصر الجيش اللبناني نصر "توأمه الجيش العربي السوري، صاحب المشروع المترامي الأبعاد"، ما يجعلنا نفهم ضمناً وعلناً بأن هذا الشعار يرجع إلى السادة في دمشق وطهران، لاستحالته فعلياً أن يكون موجهاً الى اليرزة وبعبدا.

بهذه الشفافية وهذا الوضوح عكست "المنار" رؤية حزب الله وأهدافه، من خلال أدائها وخطابها الذي بدأ قبل انطلاق معركة جرود عرسال، ومروراً بالتغطية التي رافقت مراحل المعركة، وصولاً لاحتفالية واحتفائية إطلاقها شعار "الأمر لك" للجيش اللبناني في عيده، حيث كرست نظرة حزب الله التي لا ترى في الجيش منظومة مقبولة إلا حين تكون داعمة للحزب أو مساندة له، بل حتى تكاد تقنعنا بأن الجيش يكاد يذوب في المقاومة وفي الحزب، كون العكس يبدو مستحيلاً، حسب مفهوم وقناعة القناة ومن يقف ورائها بكل تأكيد.

الجيش اللبناني لم يكن يسلم سابقاً من انتقادات الحزب اللاذعة في مراحل عديدة، مثل أحداث مخيم نهر البارد، وأحداث الشياح- مارمخايل عام 2008، كما برزت حملة نظمها جمهور حزب الله ضد الجيش لعدم "مؤازرته" الحزب في هجومه على جبهة القلمون السورية في أيار 2015، التي رافقها كمّ هائل من التحريض والتخوين ضد الجيش حينها.

بطبيعة الحال من الجيّد التقارب والوفاق بين الجيش وحزب الله في حال انضوى الحزب وقراره تحت سقف الشرعية والقانون اللبناني، لكن بما أن الحال غير ذلك، يحقّ طرح علامات استفهام حول شعار "الأمر لك"، أي بمعنى آخر، من الآمر والناهي في معادلة اقليمية ودولية تتداخل فيها صراعات المحاور ومصالح دول عظمى، حسب ما لم تقله القناة علناً، خصوصاً في اللحظة السياسية الآنية التي تشهد رجحاناً لكفة محور الممانعة، وما يندرج على هذا الأمر من إعادة حسابات وتموضع وتغيير الخطاب والمعادلات.  وهو ما بدا ظاهراً للإرهاصات التي ظهرت على الواقع اللبناني، والتي فرضت خطاباً جديداً تظهّر في الإعلام وفي السياسة، وأكثر ما ظهرت تجلياتها من خلال "الهمروجة" الإعلامية التي رافقت تغطية عيد الجيش، بدءاً من البرمجة الخاصة، مروراً بالكليبات والشعارات، وصولاً لنشرات الأخبار التي تحولت إلى ما يشبه زجليات الإطراء والمجاملة، على حساب كثير من الحقائق والوقائع، التي يبدو أن الجميع اختار تنحيتها جانباً في هذا اليوم.

لا ريب أن كل ما قيل أمس في الإعلام عن ضرورة الالتفاف حول الجيش ودوره وما يمثله للبنان هو أكثر من مطلوب وضروري، لكن بقية ما تم تقديمه والتركيز عليه، من شعارات ووقائع معينة ومجتزئة دون تسليط الضوء على صورة المشهد بأكمله، أمر لا يمكن إغفاله. فالجميع يعلم أن السيادة منتقصة وقرار الجيش ليس متحرر بشكل كامل. والنصر الذي تم تسجيله في جرود عرسال كتب بداياته وسطوره وخواتيمه حزب الله، حيث ظهر من البداية في موقع المبادرة والهجوم ومن ثم التفاوض، الذي سعى فيه إلى تكريس صورته كحامٍ للحدود ومتصدٍ للإرهاب وصولاً لإبراز قدرته على إطلاق معتقليه لدى جبهة النصرة، مما يجعل أي تضخيم لدور الجيش اللبناني في معركة جرود عرسال أمر معلوم بالضرورة ومن الجميع أنه خارج سياق الواقع والأحداث، إذ إنه حتى الآن غير قادر على إطلاق جنوده الواقعين في قبضة "داعش"، الذي لا يزال يفرض وجوده في مناطق جرود رأس بعلبك والقاع، المنتظر تطهيرها من خلال معركة يعدّ لها الجيش، الذي يُنتظر إعداده وتنفيذه لمعركة حاسمة وسريعة من خلال خطة محكمة ينتصر فيها على الإرهابيين في فترة وجيزة، كون أن المعركة في حال إطالتها ستشكّل إحراجاً للجيش حيث سيبدو عاجزاً عن مضاهاة قوة حزب الله الذي حسم المعركة في غضون أيام قلة في جرود عرسال. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها