الخميس 2017/08/10

آخر تحديث: 17:46 (بيروت)

#نهاية_العالم: الأمنيات إن تخفّفت من الأخلاق

الخميس 2017/08/10
#نهاية_العالم: الأمنيات إن تخفّفت من الأخلاق
increase حجم الخط decrease
مئة ألف تغريدة عربية، منذ أن ظهر وسم #نهاية_العالم في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد خبر "نيوزويك" الذي نشرته العام 1992، واصفة إياه بـ"السيناريو الأقرب لنهاية العالم".
يقول التقرير إن نيزك "بيرسيد دش" سيضرب الأرض العام 2017 بسرعة تساوي 100 ضعف سرعة الرصاصة، وستكون قوته التدميرية أكبر من الترسانة النووية في العالم بأسره، حيث ستبلغ قوته المتفجرة نحو 100 مليون ميغا-طن من المواد المتفجرة. 

فالنيزك المنتظر قد ينهي الحياة على كوكب الأرض تماماً، إذ أنه سيتسبب في حفرة هائلة في الغلاف الجوي، وسيؤدي إلى تبخر الصخور وبالتالي سيفنى البشر والكائنات الحية كلها، كما أن حطام النيزك الساخنة لن يجد أي عائق في الوصول إلى الأرض، ما سيجعل قدرته التدميرية هائلة. أما التاريخ الذي حدده التقرير، فهو 14 آب/أغسطس2017، أي أن أياماً قليلة تفصل الأرض عن نهايتها.

ولأن الخبر منشور في واحدة من المجلات ذات الحيثية على مستوى عالمي، فقد تلقف العالم الخبر بجدية شديدة، جعلت من وسم #نهاية_العالم و#يوم_القيامة ينتشر بمختلف اللغات في خلال ساعات معدودة، لتنهال التغريدات من أقصى الأرض إلى أقصاها بين مصدقة خائفة، ومكذبة ساخرة. وبين الفئتين، باحثون عن السياق الحقيقي من المزيف في موعد النهاية المحدد بدقة.

عربياً، تتقاطع النبوءة مع قناعات دينية، جعلت من تداول التقرير معركة إيمانية، لم تقتصر على المسلمين، بل شملت الجميع، وصارت نزاعاً وجودياً بين العلم والإيمان، لتتحول تساؤلات التغريدات إلى مؤتمر ارتجالي حول ماهية الحقيقة ووجود الإله؛ ما جعل أحد الشيوخ السعوديين، سلمان العودة، يغرد مشاركاً في الهاشتاغ: "لا تصدّق فنهاية العالم لا يعلمها إلا الله وهذه الأخبار كذب ورجم بالغيب".

السيناريو المتوقع أن تنتهي الحياة تماماً بعد 6 ساعات من ضرب النيزك للأرض، وهو ما جعل بعض المشاركات لطيفة للغاية في رسم سيناريوهات لطبيعة الساعات الأخيرة تلك، تصلح كلها لأن تكون أفلام خيال علمي محكمة، خصوصاً مع الفئات المختارة للنجاة من هذه الكارثة.

تبدو فكرة النهاية محفزة على خيالات تحقق الأمنيات البعيدة، ونفض حمولة الأخلاق التي تثقل الكتفين وتعيق صاحبها، فالعقوبة ستطاول الجميع، وبالقدر نفسه، بلا تمييز لصالح من طالح، إذن فما الداعي إلى الخوف من العقوبة الآنية الطارئة، أو بالأحرى انشغال الجميع بخلاصهم الفردي؟

غلبت خيالات التجاوز والانفلات أسئلة الدين والحقيقة، حتى في تجلياتها الساخرة المحاكية لأفلام النهاية الأميركية. حتى بدا أن ثمة "أصلاً" نُزِع عنه كل الثقل الحضاري ليعود الإنسان إلى جذره الغريزي، منساقاً وراء شهواته ورغبته في الخلاص، وإن رمزياً. وخلاصه في هذه اللحظة يكون في تحقيق أغراضه التي حبستها قيوده الحضارية. 

كل الأديان، سماوية كانت أو أرضية، بشّرت بنهاية ملحمية، يكون الإنسان هو مركزها الأساس. معركة عظمى ونهائية بين الخير والشر، تتفق فيها الهندوسية والمسيحية والإسلام والبوذية، بل معتقدات السكان الأصليين لأميركا والأزتيك.

لكن سقوط النيزك سيقضي على الفكرة المغرورة بمركزية الإنسان. أتت الفلسفة الحديثة بأفكار جذابة للغاية في الأروقة الأكاديمية (موت الرب، نهاية التاريخ، نهاية الإيديولوجيا) وأيضاً "موت الإنسان" الذي تحدث عنه ميشيل فوكو؛ حيث اعتبر الإنسان مجرد اختراع حديث العهد، مجرد انعطافة في المعرفة، وسيختفي عندما تتخذ هذه المعرفة شكلاً جديداً. 

إنسان فوكو هو "ذلك الإنسان الواعي والمسؤول والمالك لزمام أمره، والفاعل في تاريخه بفعل تضافر إرادته أوالإمكانات التي توفرها علومه، إنسان الطموح والحقوق والواجبات"، وسبب موته واختفائه هو سقوط تلك "الصورة المثالية التي كانت عالقة في أذهاننا عن الإنسان بفعل ممارساته البشعة، وتصرفاته الـمشينة واللاأخلاقية من خلال الاستعمار والنازية والفاشية والستالينية..". غير أن هذه الأفكار المتكئة على مراكمات معرفية، قد يتحول مجازها إلى حقيقة، إذا ضرب النيزك الأرض بعد أيام معدودة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها