الأربعاء 2017/07/26

آخر تحديث: 19:00 (بيروت)

حزب الله.. المعتدي والمنقذ

الأربعاء 2017/07/26
حزب الله.. المعتدي والمنقذ
تحوّل تصنيف حزب الله في معظم وسائل الإعلام إلى "المقاومة التي تحرر جرود عرسال وتدحر الإرهابيين" (غيتي)
increase حجم الخط decrease
قبل أن ينطلق حزب الله في معركته العسكرية في جرود عرسال بدا من الواضح أنه قد حضّر لها إعلامياً بمستوى التحضير العسكري، حيث بدا كما هو معتادٌ ومعروفٌ لدى الحزب إتقانه نسج وحبك التفاصيل وإمساكه بكلّ خيوط اللعبة من جميع أطرافها وجوانبها، مع مواءمته للتوقيت وحُسن قراءته للحظة السياسية والأمنية المحلية والإقليمية وإحاطته بتبعاتها وأبعادها، وإدراكه كيفية تطويعها لصالحه وخدمته مع متطلبات ومندرجات المرحلة الراهنة والمستقبلية التي تليها.

من هذا المنطلق، خطط حزب الله جيداً ورسم دوره ليظهر في دور المدافع والمنقذ للبنان في لحظة آنية مناسبة جعلته يبدو كالمتصدي لخطر تمدد الارهاب والحامي للحدود، والمانع لانتقال المعارك والحرائق الدائرة في الداخل السوري وامتدادها باتجاه الحدود اللبنانية، ما جعله يقلب الطاولة على منتقديه والمعترضين عليه من حيث انقلاب صورة موقعه كمعتدٍ على الحدود السورية إلى منقذٍ يُساهم في المقاومة والدفاع عن حدود لبنان. وللمفارقة فإن كل الوقائع الميدانية والجيوسياسية المترابطة مع الحالة اللبنانية الراهنة بمجملها، تُظهر بشكلٍ جليٍ وواضح بأن الحزب قد بلغ أمنياته ومراميه بالنسبة لدحض التفسيرات وزرع وإقحام إرادته في عقول اللبنانيين ووعيهم.

ورغم التفسيرات والشكوك المتفاوتة التي لا يزال يرسمها البعض حول دور حزب الله في معركة جرود عرسال، إلا أن الواقع يشير إلى أن الاتهامات التي كانت تنصبّ عليه من كل حدبٍ وصوبٍ تراجعت وتحولت عند مطلقيها في أحسن الاحوال إلى علامات استفهام وتعجّب، بعدما نجح الحزب في استجلاب التعاطف والدعم خارج دائرة جمهوره ومناصريه بالحصول على التفاف شعبي واعلامي واسع حول "المعادلة الذهبية" التي أطلقها ونجح في وضع مدماك أساسي فيها حالياً بعد انطلاق معركة جرود عرسال، ألا وهي "جيش- شعب- مقاومة".

على أن ذلك الالتفاف لم يكن ليطفو الى السطح لولا كل ما سبقه منذ زمن من ضخّ هائل حمل كمّاً من التخويف والترهيب من احتمالية انتقال الحرائق إلى لبنان وتفجّر الوضع فيه، عاش خلاله اللبنانيون حالة من الترقّب والتوجّس من انتقال معاركها نحو مدنهم وأراضيهم مرفقة بالتحذير من أيّ دور أمني للاجئين السوريين، يتحول بعضهم من خلاله الى خلايا أمنية أو الى الانخراط في تشكيل أو اتّباع تنظيم ارهابي يقوّض الأمن في لبنان، حيث نجحت الحملات الشرسة التي استهدفت اللاجئين في الأسابيع الاخيرة الماضية بتصنيفهم كخطرٍ وطرفٍ في معادلة دارت مؤخراً مفادها إما أن تكون مع الجيش أو مع الإرهاب، والتي لعب الإعلام اللبناني دوراً بارزاً في تكريسها وحشد كل ما يلزم لجعلها قاعدة ثابتة ما بين الوطنية والخيانة دون أي خيار ثالث بينهما.

ضمن هذا المسار التصاعدي والتصعيدي نفسه يسير اليوم الإعلام اللبناني بالتوازي مع مُطلقي الحملات في مواقع التواصل منذ انطلاق المعارك في جرود عرسال، في حين تجسّد نجاح حزب الله بدخوله ضمن هذه البوتقة من خلال تلطّيه خلف هذه المعادلة، حيث تحوّل تصنيفه في معظم وسائل الاعلام من "حزب الله الذي يُقاتل في سوريا إلى جانب نظام الأسد" إلى "المقاومة التي تحرر جرود عرسال وتدحر الإرهابيين". ومن المعلوم والبديهي أنه ما كان لهذا الاجماع بأن يتحقق لو كان حزب الله يقف وراء الجيش من خلال جعله واجهة لإقحامه منفردا لمواجهة المسلحين، في حين أنه ومن خلال القتال بموازاته وبأخذه المبادرة في بعض الأحيان نجح في ردم هوّة الانقسام بينه وبين منتقديه، تُرجم مؤخراً في ما تحمله رؤيتهم لسلاحه ودوره "المقاوم" في الدفاع عن الحدود.

كل هذه المعطيات والصيرورة التي وصلت اليها لم تنفصل عمّا رفدها من حملات التخوين والترهيب والتهديد على دور الجيش-حزب الله مقابل أي معترضٍ أو منتقد، والتي ما انفكت تتضخم ككرة الثلج ضمن وسائل الاعلام ومواقع التواصل على شكل حملات ومقالات وتصريحات وهاشتاغات متنوعة عكست في مجملها انسحاب التعريف السائد عن السياسة بكونها فنّ الممكن نحو الاعلام الذي تماهى مع تلك المقولة الرائجة ضمن اللحظة السياسية الاعلامية الراهنة الطاغية اليوم في لبنان، والتي أتت مفاعيلها بجعل أي صوتٍ يغرّد خارج السرب ولا يركب الموجة يندرج تلقائياً لينزوي في خانة من يتوجّب رجمه وقذفه بمختلف الاتهامات والأوصاف، وذلك حسبما تجسّد في بعض مقدمات نشرات الأخبار وعناوين الصحف والهاشتاغات الأكثر تداولاً، بعد تحولها إلى ما يُشبه منصة لراجمات الصواريخ والقذائف التي تلهب بصلياتها الاعداء والمنتقدين، خصوصاً مع ما برز مؤخراً من اختلاط المفاهيم لناحية تماهي الجيش وحزب الله وظهورهم وكأنهم وجهين لعملة واحدة، ما يستوجب تلقائياً الرد على منتقدي أحدهما من قبل مؤيدي الطرفين دون تفرقة وتمييز!

إلا أنه وفي خضّم هذه الحالة الغريبة والحملة الموصوفة، برز توجّه لناشطين في "تويتر" لإعادة إحياء هاشتاغ #فيلم_إيراني_طويل، علت من خلاله أصوات تدعو لرجوع حزب الله إلى داخل الحدود اللبنانية، معتبرين أن ما يحصل اليوم في جرود عرسال لا يعدو كونه "مسرحية ينفذها حزب الله لصالح أجندة إيرانية"، فيما طُرحت تساؤلات تحوي في طياتها الكثير من الاعتراض على دور حزب الله في سوريا، مستنكرة وقوفه إلى جانب "نظام سوري قتلنا واعتقل شبابنا واحتل أرضنا. فكيف نقتنع الآن انه يريد حمايتنا والدفاع عنا؟".

أصوات متعددة ومتفرقة علت وظهرت هنا وهناك، إلا أنها لا تجد أي صدى أو قدرة لمنافسة الحالات المضادة التي تفرّخ وتتكاثر لتحاصر وتسدّ أي منفذ يقود نحو موقفٍ متبلورٍ يبحث عن منبر يعبّر من خلاله عن نفسه واختلافه. وفي الخلاصة، فإنّه ومن خلال قراءة النتائج أصبح من الواضح المسار الذي قاد إلى الوضع الحالي، إذ يبدو أن التحالفات التي نسجها حزب الله وتعنّته وتمسّكه بمرشّحه الرئاسي وإبدائه الليونة في التحالفات السياسية الجديدة مع تمسّكه وإبقائه على تحالفته القديمة ساهمت مجتمعة بإنتاج الصيغة الحالية وإفراز الوضع الراهن الذي آلت إليه.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها