الأحد 2017/07/23

آخر تحديث: 19:22 (بيروت)

100 مليار في أكشاك الفتوى

الأحد 2017/07/23
100 مليار في أكشاك الفتوى
increase حجم الخط decrease
 
النكتتان الأكثر تداولاً في مصر هذه الأيام، مرتبطان بأخبار تصدرت الاهتمام العام: أكشاك الفتوى في محطات مترو الأنفاق، وخطاب السيسي في افتتاح قاعدة عسكرية جديدة.

لم تطغ إحداهما على الأخرى في المداولات اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والمواقع الإلكترونية والبرامج التلفزيونية. من بعيد، يبدوان كخطّين متوازيين لا نقطة تقاطع بينهما، غير أن المشترك بينهما أبعد كثيراً من "الترافيك" ومحاولة خلق الإفيه.

أكشاك الفتوى: مساحة جديدة للأزهر على الأرض

من دون مقدمات، أعلنت لجنة الفتوى في الأزهر بالتنسيق مع الهيئة العامة لمترو الأنفاق عن بدء تنفيذ مشروع أكشاك للإفتاء في محطات المترو. الفكرة العامة والغرض منها تلبية احتياجات المواطنين للمعرفة ومواجهة الفتاوى المضللة التي تحاول بعض التيارات المتطرفة ترويجها، وقطع الطريق على أدعياء الدين.. وقبل أن يشتعل الجدل حولها، بادر المعنيون الى وصفها بـ"مبادرة تصب في مصلحة المسلم وغير المسلم، فمواجهة الفكر المغلوط بالتوعية والمواجهة الفكرية المضادة أمر مهم جدا للمجتمع بجميع فئاته". وأيضا قبل أن يعترض المعترضون على مخالفة هذه المبادرة لمدنية الدولة، قيل: "من يقول هذا يقوض الجهود الرامية إلى مواجهة الإرهاب باسم الحرية".

فكرة "الكشك" بإحالاته السلعية، حيث إنه أهم مساحات بيع السلع اليومية في مصر، جعل المفارقة تقدم نفسها بسهولة للمتابعين لإطلاق ما يمكنهم إطلاقه من إفيهات، سواء على مستوى "بيع الفتوى كالسلعة" أو اللعب على المفارقة الدينية "مثل وجود أكشاك الفتوى في المحطات ذات الاسم المسيحي: مار جرجس وسانت تيريزا". فتحت المبادرة شهية الجميع على خلق نكات جديدة، سخيفة في معظمها، لكنها تعبر عن حالة الاستخفاف العامة. غير أن البعض "تورط" في نقاش جاد حول خطورة وجود هذه الأكشاك وما تمثله خطابياً بإعطاء مساحة "إضافية" لإسلام الأزهر، وعن استحالة إقدام الدولة على إعطاء الكنيسة مساحة مماثلة. في مقابل المدافعين عن وجودها باعتبار أن "الدين" جزء مهم من حياة المصريين اليومية، ومحطات المترو هي الأماكن التي يتحرك فيها الملايين يومياً.

خطاب جديد للسيسي وسط جيشه وحلفائه:

في تخريج دفعة جديدة من القوات المسلحة وافتتاح قاعدة عسكرية جديدة، وفي حضور ولي عهد الامارات محمد بن زايد، وخليفة حفتر قائد الجيش الليبي، خرج السيسي –كالعادة- في خطابه عن الورق المكتوب أمامه، وارتجل قائلاً: "يعني أنتوا عاوزين تتدخلوا في مصر، ده مصر فيها 100 مليون بيفطروا ويتغدوا ويتعشوا في يوم، بأكل سنة من بعض الدول، احنا لما نيجي نعمل مشروع إسكان بنعمل مليون  شقة في سنتين أو 3. عاوز تتدخل في مصر؟، تقدر أنت على مصروف مصر؟ تقدر تصرف 100 مليار دولار على مصر؟ ماتقدرش فخليك في حالك وبلدك أحسن، ومصر لن تسمح أبدا ولا شعبها إن حد يتدخل في شؤونها، وماحدش هايقدر يتدخل في شؤونها، والشعب المصرى هو سند مصر وأمته العربية في الحق والسلام والبناء والتعمير لا في الهدم ولا في القتل ولا في التآمر".

ارتجالة السيسي وضحكة بن زايد، أثارت خيال المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، حيث اعتبر البعض أن كلماته "مهينة" على كافة الوجوه، فهو يفترض –ولو جدلا- أن من في استطاعته إنفاق 100 مليار سنويا له حق التدخل في مصر، وهو ما صوره المتابعون على أن مصر "بنت ليل" تنتظر من يدفع أكثر. 
**
يبدو الحدثان على مسافة كل منهما من الآخر، لكن ارتباطهما كبير ودلالته غاية في الأهمية. كلاهما اجتذب السخرية والنقاشات الفرعية من المجال العام البديل في فايسبوك وتويتر. لكنهما يعبران عن الموقف الخطابي للدولة ممثلة في مؤسساتها الدينية والعسكرية، فهي لا توفر جهدا في احتلال المجال العام مجازا وحقيقة فيما تراه أنه "حرب على الإرهاب" بالتجهيز العسكري ومحاصرة أماكن العيش اليومية بالسلطة الدينية. في الحالتين، الملايين تنفق على ما تعتبره أولوية قصوى في الوقت الذي تعاني فيه البلد من ترد اقتصادي غير مسبوق.

نجحت الدولة في شغل الرأي العام بتفاصيل أقل أهمية، وانساق الرأي العام للسخرية، لكن الحقيقة تقول إنها مستمرة في ترسيخ خطابها بأي كلفة مادية كانت، حتى ولو كان نتيجتها زيادة التدهور الاقتصادي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها