الأحد 2017/07/02

آخر تحديث: 16:25 (بيروت)

فيديوهات التعذيب.. قدر السوريين ولعنتهم

الأحد 2017/07/02
فيديوهات التعذيب.. قدر السوريين ولعنتهم
من المداهمات الأخيرة في عرسال
increase حجم الخط decrease

أكثر ما يخيف في مقاطع الفيديو الأخيرة التي انتشرت خلال اليومين الماضيين، لتعذيب مدنيين سوريين، داخل سوريا وخارجها، أن الجميع يتعامل معها كنتيجة طبيعية روتينية ضمن مسار الحرب السورية الوحشية، وكأن هناك استسلاماً ضمنياً أو يأساً وحتى اعترافاً بوجود شيء من اللعنة على السوريين الراغبين بحياة أفضل أو الهاربين من الأسوأ على حد سواء، خصوصاً أن القائمين بالتعذيب، هذه المرة، ليسوا جنوداً تابعين للنظام ومخابراته.

وربما لا تكون هوية القائم بالتعذيب مهمة كثيراً في هذا السياق، سواء كان الجيش اللبناني في عرسال أم قوات سوريا الديموقراطية في الحسكة أم الجيش الروسي، طالما أن الضحية واحدة في سياق مؤلف من تبرير واحد هو هاجس الحفاظ على الأمن، والذي يبدو غير كاف لتبرير الوحشية أو ارتكاب فعل التعذيب ثم تصويره ونشره.

والحال أن القدر واللعنة كلمات تتوارد للذهن فوراً مهما كانت خيالية وبعيدة عن المنطق، لأنه لا منطق أصلاً في كل ما يجري في سوريا، فالفوضى الحاصلة وتعدد الجهات الفاعلة، وإصرار الجميع على إثبات وجوده بهذا النوع من التصرفات الوحشية المصورة كنوع من استعراض القوة، ومدة الحرب الطويلة نسبياً، تحيل تلقائياً إلى الشعور باليأس والعجز، وهي أحاسيس كان لها زخم ربما قبل سبع سنوات وفقدت معانيها اليوم.

يتجلى هذا الإحساس العام باللاجدوى للكلمات أمام بطش الأفعال، في ردود الأفعال الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أتت باهتة وراضخة وحتى حالمة بالعودة إلى حقبة ما قبل الثورة، حينما كان التعذيب مجرد قصص شفهية أقرب لأساطير يقوم بها جلادو النظام في المعقتلات والسجون، من دون دليل بصري يوثقها، إلا ما ندر من شهادات من حالفه الحظ وخرج حياً من المعتقل.

ولا تخرج المقاطع كلها، عن إطار فائض القوة التقليدي وهو الشعور الذي يدفع أحداً ما لممارسة العنف تجاه الأضعف منه، وهو السبب نفسه وراء عشرات المقاطع الأخرى التي تظهر إذلال لاجئين سوريين في دول اللجوء، أو ممارسات الميليشيات ضد المدنيين كفيديو نشر العام الماضي لعناصر من "حزب الله" وهم يهينون مجموعة من المدنيين السوريين المهجرين في حلب، وسط البرد والثلوج، أو تصرفات عناصر جيش النظام السوري خلال وجوده في لبنان ضد المدنيين على حواجز التفتيش.

الجديد هنا هو تحميل التعذيب المصور معنى مختلفاً بوصفه فعل قصاص عادل، لا يتعلق فقط بملاحقة الإرهابي المطلوب نفسه بل بالوصول إليه من أجل تعذيبه قبل قتله، وهنا يصبح أي مدني سوري عرضة للتعذيب من دون سبب سوى الاشتباه بامتلاكه معلومات ما حول الإرهابيين الحقيقيين، ما يستوجب القيام بالتعذيب من أجل سرعة الاستنطاق.

ويجب القول هنا أن ربط الإرهاب بالسوريين عموماً يجعل التعدي عليهم بهذه الطريقة مبرراً في الخطاب السياسي العام، طالما أن تصرفات التعذيب والاعتقال والعنف المجاني تحصل لسبب نبيل كمحاربة الإرهاب، مهما كانت تلك التصرفات تماثل جوهر الإرهاب في النهاية.

إلى ذلك، تشترك المقاطع الأخيرة في تحويلها السوريين إلى أداة من أدوات الخطاب القومي لدى أطراف شعبوية في دول كثيرة، وهو أسلوب يشيطن جميع السوريين، في الداخل وفي دول اللجوء، من أجل غايات محلية، وبالتالي فإن فعل التعذيب والتباهي به يصبح خطاباً دعائياً موجهاً من أجل مصلحة وطنية ما، فالروس يعذبون مدنياً سورياً بمطرقة مع ضحكات من أجل استعادة الأمجاد السوفييتية، وقوات سوريا الديموقراطية تكافح "داعش" وأمام عينيها هدف أبعد مثل استقلال كردستان.

هذا النوع من الغايات حتى لو لم يتم التصريح به علناً، إلا أنه يلامس مشاعر الأفراد العاديين أصحاب النزعات القومية نفسها، وينعكس بصورة تأييد لهذه التصرفات وخلق مبررات شعبية لها، ويتجلى ذلك أكثر في الحالة اللبنانية مع تصاعد التجييش في وسائل إعلام محلية ضد جميع السوريين في كافة المناطق في الأيام القليلة الماضية.

في ضوء ذلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن رؤية وشيكة لحل ينهي المأساة السورية، ليس بسبب تعقد الوضع السياسي والعسكري، بل لأن كمية الفظائع التي حصلت منذ العام 2011، من أي طرف كان، لا تدع مجالاً كثيراً للمسامحة، وحتى لو انتهت الحرب بالاسم ستبقى آثارها النفسية والاجتماعية ماثلة لأجيال بشكل أحقاد لا تموت، هذا إن تخلت الأطراف المتنازعة عن فكرة القتل الجماعي والرغبة في إبادة الآخر وتصفيته كحل ينهي تلك المشكلة البسيطة، مع إدراك كل طرف أن الطرف الآخر لا يمكن أن يغفر له مستقبلاً.

من السهل هنا إعلان التضامن مع اللاجئين في لبنان ومع السوريين في الداخل، ومن السهل أيضاً نشر بعض الكلمات الغاضبة والمستاءة عبر مواقع التواصل مرفقة بهاشتاغات التضامن التقليدية مثل #لاجئ_مش_إرهابي، لكن ذلك لن يكون كافياً لتجاوز العنف أو تصور مستقبل أفضل للسوريين في الحرب التي لن تتوقف قريباً، مع وجود كل هذه الهمجية التي يصبح معها الغفران والبدء من جديد صعباً أو ربما مستحيلاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها