الأربعاء 2017/07/12

آخر تحديث: 16:28 (بيروت)

ترهيب ديما صادق

الأربعاء 2017/07/12
ترهيب ديما صادق
صادق سجّلت نقدها من منطلق إجلالها للجيش كونه يمثّل ما تبقى من لبنان (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
ثمّة حملة ممنهجة يشهدها لبنان مؤخراً ضدّ الكلمة وحرية الرأي والتعبير، تقودها بعض الأطراف التي تحاول كمّ أفواه الاعلاميين وذوي الآراء المستقلة بمن فيهم منتهجي النقد البناء والراقي، بعدما بدا أن المتسلطين على رقاب الناس، الذي يعتبرون أنفسهم أصحاب مكانة وحظوة ومرتبة تخوّلهم إطلاق الأحكام والنعوت والصفات والتهم جزافاً في كل اتجاه، ينتهجون شتى صنوف الترهيب النفسي، في محاولة للنيل من كرامات الناس وطعنهم في وطنيتهم، بل وفي شرفهم أيضاً، وذلك ضمن مندرجات ما تحويه أجندة الفكر القمعي وسطوة الغلبة والصلف والغرور، بكل ما يُصاحبها ويتأتّى عنها من ممارساتٍ وأساليب.


ليس أدلّ على ذلك ما خرج به الممثل اللبناني نبيل عساف في آخر حلقات فقرته الدورية "مين معي"، التي تُبث في موقع "النشرة" الاخباري، والتي زخرت بكمٍّ "محترم" من الضخّ الترهيبي والتحريضي ضد الحريات الفكرية الفردية، في استعراضٍ بائسٍ ذي محتوى هابط، انتهج أبغض الأساليب وأكثرها إسفافاً، في أداءٍ تحقيري سافر.

عسّاف الذي عنون فقرته بـ"الارهابية ديما صادق"، بدا كما لو أنه ضابط تحقيق لجهاز قمعي يصرخ في وجه ضحيته القابعة في أحد أقبية التعذيب، سائلاً إياها "شو قصتك انتي؟ بدك تدافعي عن اللاجئين السوريين دافعي، بس ما تبرري للإرهابيين وأوعى تقربي صوب الجيش اللبناني"، متهماً إياها بعدم التفريق بين الانسانية والارهابية، وملمحاً إلى أنها إعلامية مأجورة، تتقاضى المال مقابل دفاعها عن "الارهابيين".


ما جاء في فقرة عساف، أتى ضمن سياق حملةٍ واسعةٍ ضدّ ديما صادق، عبر بعض وسائل الاعلام وفي مواقع التواصل، عقب ما نشرته في حساباتها الاجتماعية من تعليقٍ واستنكار إثر شيوع خبر وفاة 4 موقوفين سوريين تحت التعذيب قبل التحقيق معهم، بعد اقتيادهم من مخيم للاجئين السوريين في عرسال بغية التحقيق معهم حول ما إذا كانوا متورطين بأعمال إرهابية أم لا. الأمر الذي عرّض صادق لوابل من الافتراءات والاتهامات وسيلٍ من الشتائم، بوصفها "الداعشية" و"بوق الإرهاب" و"الزانية"، وصولاً لمطالبة البعض بملاحقتها و "قص لسانها" و"جعلها عبرة لمن يتطاول على الجيش"، ذلك عدا عن التهديد والوعيد لكل من يتبنّى وجهة نظرها وموقفها، وهو ما عبّر عنه أيضاً عساف في فقرته بقوله "ديري بالك انتي واللي بيشد ع مشدّك".

حملة الترهيب والمزايدة بالوطنية، من خلال استهداف صادق، بدت خارج سياقها لناحية استهدافها المكان والشخص، إذ بدا أن التهجّم المسعور عليها من خلال مفبركي الحملة والمشاركين فيها وكأنهم تحضروا سلفاً لإطلاق جملة النعوت الصفيقة تلك على أوّل من يُظهر أي رأي ناقد أو معترض كائناً من كان قائله أو كاتبه أو المنسوب إليه، بهدف جعله عبرة لمن يعتبر، حيث صودف أن الزميلة ديما صادق آثرت التعبير بإبداء حرصها على حُسن أداء الجيش الوطني الذي يفتخر اللبنانيون بمناقبيته وبطولاته مع الحرص على أن لا تشوب مسيرته أي شوائب، تجعل منه هدفاً للمغرضين الذي قد يستغلون الحادثة لتشويه صورته. فلا صادق ولا أي لبناني وطني يقبل المزايدة على المؤسسة الوطنية الجامعة، وكأي نظام من المفترض أن يكون ديموقراطياً وحراً يقوم على مبادىء الحريات وابداء الرأي، يبدو من صلب الحق والواجب أن يتوجه النقد البناء حيث يكون داعياً له، وذلك للحفاظ على دوام الفخر بالجيش وتضحياته وعطائه.

ففي حين أن صادق سجّلت نقدها من منطلق إجلالها للجيش كونه يمثّل ما تبقى من لبنان، أتى من يدّعي حبّه والحرص والدفاع عنه، بأسلوب متدنٍّ ومنحدر وكلام مهين، ليُظهر بأنه هو وأمثاله من ينالون من هيبة الجيش وصورته، سواء أكان ذلك بقصد منهم أم بغير قصد. فأي شخص أو جهة تريد أن تتنطّح للدفاع عن الجيش، الذي لم تهاجمه صادق بالأصل، عليه الالتزام بإظهار احترامه للحرية وتعدد الآراء، التي تأتي مهام الجيش للذود عنها كواحدة من أهم أولوياته.

وفي حال أقمنا مقارنة بين ما قالته صادق، وما تعرضت له، فلا بد من السؤال عمّن يكون عندها الارهابي الحقيقي؟ ومن الذي يلجأ إلى النابي من الالفاظ، ومن الذي يصلح أن يكون مأجوراً ومدفوعاً ومحرضاً؟ ومن يحق له أن يجد مبررات لنفسه للتطاول ومحاولة النيل من دور الاعلام بالمساءلة والنقد؟ هل يجوز تشجيعه بالسكوت عنه؟ وكيف يمرّ عرض فقرة بكل ما تحمل من تحريضٍ علنيٍ بشكلٍ عادي؟ أم أن الغاية تبرر الوسيلة؟!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها