الإثنين 2017/07/10

آخر تحديث: 18:53 (بيروت)

السيّد والشجرة

الإثنين 2017/07/10
السيّد والشجرة
ردود خضرا ودفوعاته تساعد في انتقاده
increase حجم الخط decrease
الخطاب الديني المرتبط بالمرأة وكيفية ظهورها وحركتها في الحيّز العام، كان ولم يزل يُشكّل مادة جدلية دسمة اضطلع في تناول قضاياها الكثيرون لناحية اسقاط فتاويهم وتحذيراتهم من المحظورات الذين اسبوغها عليها وألبسوها لبوسها، ما جعلها دوماً مادة للسجال الاجتماعي في المنابر الدينية والاجتماعية ومؤخراً في مواقع التواصل. 


ولم يشذّ عن هذا المنطق السيد سامي خضرا من خلال الأسلوب الذي ينتهجه في هذا الإطار، سواء عبر البرامج التي يطلّ من خلالها أو عبر منصاته العديدة في مواقع التواصل، حيث تتيح له الوصول إلى جمهورٍ أوسع يتجاوز الجغرافيا المحلية، حيث ينشط خضرا بشكلٍ كثيفٍ ولافت، مستغلاً ما تتيحه له هذه المواقع من الترويج لتوجيهاته وآرائه، التي التي تطاول كافة المجالات والتفاصيل الحياتية اليومية وخصوصاً تلك المتعلقة بالمرأة، والتي دائماً ما يُرجعها خضرا للدين والأحكام الفقهية والشرعية وأسس الالتزام وعمق الايمان والورع، حسب طروحاته وإسناداته.

خضرا الذي يُقدّم نفسه على أنه "مربٍّ إسلامي وناشط في مجال الإرشاد والتبليغ"، نشر مؤخراً في حساباته في مواقع التواصل مقطع فيديو يحذّر فيه من نشر الفتيات لأكثر صورهن جمالاً وإغراءً في "فايسبوك"، بما يؤدي، حسب رأيه، إلى تحفيز واستمالة الشبان للتعبير وإبداء إعجابهم من خلال الضغط على زر "لايك"، بما يُعتبر كشفاً لنواياهم بالتقرب والتودد إلى صاحبة الصورة، حيث انتقد خضرا تلك السلوكيات "غير الاخلاقية" التي اعتبر أنه من الواجب لفت النظر إليها وعدم التغاضي عنها بهدف الحد منها وانهائها، داعياً الفتيات والنساء إلى وضع صورة شجرة أو آية قرآنية أو حديث شريف، بدلاً من صورهنّ الشخصية، التي اعتبر أنهن ينتقين منها الأجمل والأكثر جذباً، ما يستتبع جواً من الاغواء والإثارة المؤدي "للوقوع في الحرام".

قد يكون لكلام خضرا سند ديني ومبرر شرعي، وهو أمرٌ من الممكن مناقشته بشكل مطوّل ومفصّل ليس هذا مكانه، إذ إنّ ما يستدعي راهناً التوقف عنده هو مجموعة من النقاط اللافتة التي ذكرها خضرا في الفيديو إيّاه، خصوصاً أن دعوته النساء لاستبدال صورهن الشخصية في "فايسبوك" بصورة شجرة، أغضبت الكثيرات منهن وأطلقت سجالاً وصل حد قذف النساء المنتقدات والساخرات من كلام خضرا بالشتائم والنعوت المشينة، ذلك أن ما تضمنّه الفيديو دغدغ لدى البعض ذكوريتهم التي تغذيها نصائح "ستر" المرأة وردعها عن مسببات الحرام وأفعاله. وهو ما لا يُقصد من خلاله التعميم، لكنه حقيقة تفرض ذاتها، ولا يمكن نكرانها أو إشاحة النظر عنها. وما تحويه صفحات "تويتر" و"فايسبوك" في هذا السياق كافٍ للتأكيد على ما يؤول إليه هذا النوع من الأسلوب في الوعظ والتنبيه، وكيف تتلقفه شريحة من الناس وتحوّله إلى فرض الرأي بطريقة سلبية أبعد ما تكون عن النقاش البنّاء والتعبير الحر والاختلاف الذي ينضوي تحت سقف الاحترام.

كما أن اختيار خضرا مواقع التواصل لمخاطبة جيلٍ شابٍ بمعظمه، بلغةٍ أقرب ما تكون إلى الخشبية غير المتوائمة مع اللغة العصرية التي يفقهها الشباب ويتأثرون بها، هو أمر غير منطقي، إذ إن هذه المعادلة تؤدي إلى اعتبار معظم ما ينطق به عرضة للنقد والاستنكار واللوم، كونه يستعمل لغة تُعتبر مستهجنة لدى الأشخاص الذين يتعاملون مع مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها منصات عصرية لها قواعد وأساليب حداثية في النقاش وتبادل الأفكار كونها تنمّي الحس النقدي لدى الكثيرين الذين لا يتوانون عن الافضاء بآراءهم كائناً من كان الشخص الذي قد يعتبرونه دخيلاً عليهم كونه لا يتقن لغتهم ومعاييرهم في التواصل، والتي ترفض أي أساليب تعبوية أو توجيهية لا تتيح لهم مناقشتها واستحضار معانيها وتحليل تداعياتها على مختلف الأصعدة والمستويات الشخصية أو الفكرية أو المجتمعية العامة المتعلقة بالحرية الفردية. وهذا ما جعل التصويب المتتالي على خضرا وأسلوبه الذي يفتقد المرونة، نتيجةً لرفضه التجاوب والتغيير في لهجة ونبرة وطريقة خطابه واستعمال مفرداته ومصطلحاته، رغم كل الجدل المُثار حوله وحول مُضيّه في التعاطي مع شؤون المرأة التي لا تعدو "الكائن" الذي يجب عليه فقط طاعة إملاءاتٍ وتوجيهاتٍ تتعلق بما يتوجب عليها فعله من دون نقاش أو إبداء رأي. فهي المطلوب منها مثلاً عدم النزول إلى السوق، بحسب خضرا، وفي حال اضطرارها لذلك يتوجب عليها ان تمشي "بجنب الحيط"، وفي حال تعرضها للظلم أو الاعتداء من زوجها وجب عليها "احترامه" لأنه زوجها شرعاً. أما تلك المرأة المسلمة غير المحجبة فهي لا تعدو عن كونها "ضعيفة الشخصية".. وهذا غيضٌ من فيض من أفكار باتت تلاقي رواجاً لدى أوساط المتشددين قبل المتدينين والملتزمين.

ردود خضرا على الانتقادات التي تطاوله، لم تعدو عن رأيه بأن المقصود من كلامه هو "تبيان الحقيقة والواقع في أمور واضحة لمن أراد رؤيتها من هذا المنظار"، وإن كلام المنتقدين له يحمل من "الافتراء" و"المبالغة" و"الاستهزاء" أكثر مما يحمل من العقل والمنطق، وذلك ضمن الاساليب التي لا يلقي لها بالاً حيث تعوّد عليها وخبرها وتوقّعها.

ردود خضرا ودفوعاته تساعد في انتقاده، إذ انه لا يقدم أي تبريرٍ منطقي لأسلوبه الذي يعتبره البعض "ترهيبياً" ويجب الاقلاع عنه واستبداله بأسلوب مختلف ينطلق من الانفتاح على النقاش وينتهج السلاسة والترغيب بدلاً من التنفير. ويكفي ما خرج من على لسانه وتظهّر ضمن قالب اعتبار أن المرأة يجب عليها استبدال صورتها بشجرة، ليُلقي عليه مسؤولية أخذ النقاش لأماكن أخرى كان المفترض على خضرا أن يتفاداها، ليوصل فكرته بشكل إيجابي يبعده عن النقد والاستنكار ويعينه على إيصالها بشكل يبدي فيه احترامه لشخصية المرأة وعقلها وحريتها في التعبير عن نفسها.

للسيد خضرا في طبيعة الحال الحق في التعبير عن رأيه، وله الحرية باستعمال المصطلحات التي تعبر عن أفكاره وقناعاته، لكن وبما أنه قد قرر استخدام المجال العام والمنصات الافتراضية لنشر افكاره، فإن ذلك يستوجب عليه إلزام نفسه بتقبّل مختلف الآراء ومناقشتها، والأهم تفادي أسلوب الإملاءات والتعاطي مع المرأة المسلمة باعتبارها كائناً استثنائياً له مواصفات وشروط حياة مختلفة عن باقي البشر. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها