الإثنين 2017/06/05

آخر تحديث: 18:10 (بيروت)

البرامج الدينية في رمضان: الإسلام البروتستانتي

الإثنين 2017/06/05
البرامج الدينية في رمضان: الإسلام البروتستانتي
increase حجم الخط decrease
منذ أكثر من عشر سنوات لم يتغير شيء في ما يخص البرامج الدينية على الشاشات المصرية والعربية، وهذا العام، لا جديد على تلك القاعدة العامة. الوجوه على حالها من دون تغيير في ما يخص المتصدين للفتاوى الدينية والدعوة عبر الشاشات، سواء من الأزهريين بزيهم التقليدي أو الوجوه العصرية بأزيائها المستمدة من خطوط الأزياء العالمية. ورغم أن بعض الوجوه "الثانوية" غابت وظهرت أخرى، إلا أن أصحاب البرامج الدينية والدعوية ذات الحضور الجماهيري الكبير مستمرون من دون تغيير، وهم: عمرو خالد، مصطفى حسني، خالد الجندي، علي جمعة، الحبيب الجفري، وعلى المستوى العربي: ما زال أحمد الشقيري وعائض القرني، الاسمين الأبرز.


هذا الثبات في التركيبة الأخيرة للإعلام الديني، يعاكس الفترة التي سبقت ثورة يناير، حيث كان الدعاة الإسلاميون في كل مكان، يتلقون "الموجة الدينية الجديدة" التي بدأها عمر خالد في بدايات الألفية. واليوم يمكن النظر إلى خريطة توزيع البرامج الدينية، تماماً كتوزيع نجوم الدراما التلفزيونية وأجورهم على القنوات المختلفة. فمثلما يعتبر عادل إمام الأعلى أجراً من بين كافة الممثلين ويعرض مسلسله بشكل سنوي في الوقت الأكثر تميزاً عبر شاشة "إم بي سي"، فإن عمرو خالد يعتبر بمثابة "عادل إمام الدعاة" على الشاشة، ببرنامجه "نبي الرحمة والتسامح".

ولأن شبكة "إم بي سي" تريد ضبط الميزان بين الدعوة من خارج الأزهر والدعوة بوجهٍ أزهريٍّ منضبط، فكان برنامج الدكتورة عبلة الكحلاوي "اللهم تقبل"، إلى جانب شيخ الأزهر "خفيف الظل" مبروك عطية في برنامج "كلمة السر"، أما علي جمعة فما زال في قناته المفضلة "سي بي سي" وبرنامج "طريقنا إلى الله"، وعلى القناة نفسها أيضاً يلاحظ برنامج الداعية اليمني دائم الابتسام الحبيب الجفري "الإنسانية قبل التدين". أما قناة "النهار" فتدخل هذا العام بثلاثة برامج دينية هي: "رسالة من الله" لمصطفى حسني، و"اسأل مع دعاء"، و"بكرة أحلى"، واللافت هنا أن البرنامجين الأخيرين تقدمهما مذيعات محجبات يستضفن "المشايخ" لاستقبال فتاوى الناس.

ومن فترة إلى أخرى، تظهر بعض الأخبار "الغريبة" التي تتناول هؤلاء المشايخ والدعاة أنفسهم، من زواج عرفي للشيخ خالد الجندي مرة واثنتين، إلى عمليات زرع الشعر لعمرو خالد ومصطفى حسني، إلى البذخ في مستوى المعيشة الذي يجعل خالد الجندي يتباهى بسياراته الفارهة، ومصطفى حسني يرتدي قميصاً يتجاوز سعره ألفي دولار.

والحال أن هناك خطابين مغايرين تماماً في اللغة المستخدمة لمخاطبة الجماهير، بين نوعي البرامج الدينية. فالدعاة العصريون يميلون إلى استخدام لغة يومية، وإن استلزم ذلك الخروج عن النسق الديني تماماً، مثل ما انتبه إليه رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع مصطفى حسني عندما قال: "البنت لما تعيط الملائكة بتلعنه لحد ما البنت تسامحه" ورغم السخرية التي أثارتها الجملة إلا أنها موجهة إلى جمهورها تماماً، فسبب جماهيرية حسني، وهم الشباب من الطبقة المتوسطة العليا والأرستقراطية، وجودوا في "الدين" بشكله العصري منظومة مقبولة وتحمسوا له. أما الخطاب الآخر، فهو الخطاب الأزهري الفصيح، المتجهم في معظمه، والذي يقع في مآزق عديدة، بسبب الالتزام النصي، ما يجعل الماكينة الإعلامية للأزهر تعمل على إخفاء هذه الكوارث عبر وجوه موثوقة معلومة للعامة، من أجل تكريس "الأزهر كممثل للإسلام الوسطي".

علاقة الإعلام بالدين، بحسب دراسات عديدة، أقدم من تمظهرها في العقد الأخير، ويعتبر البعض أن بداية التلفزيون المصري العام 1960 هو البداية الفعلية لظاهرة "الدعوة التلفزيونية"؛ حينها خصص التلفزيون المصري، باعتباره التلفزيون العربي الأول، ساعة أسبوعية لبرنامج ديني، كان يقدمه أحمد فراج ويستضيف في كل حلقة من حلقاته أحد شيوخ الأزهر. ثم ظهر الشاب الأزهري النحيف محمد متولي الشعراوي، ليأخذ لب الجميع ببراعته الإعلامية، فلم يكن يتحدث بصوت رتيب أو فصاحة مفتعلة، إذ فهم الشعراوي فكرة الشاشة من اللحظة الأولى، وتكررت حلقاته في البرنامج، وزادت شعبية برنامج أحمد فراج بعد ظهور الشعراوي الشاب فيه، ما هيأ له المجال بعدها بأقل من عشر سنوات ليكون له برنامجه الخاص، وهو البرنامج الأشهر: "تفسير القرآن للشعراوي".

بقيت الدعوة مجال سيطرة الشعراوي الإعلامية، حتى نهاية ثمانينات القرن العشرين، وبداية تيار ما زالت تُطلق عليه التسمية نفسها وهي "الدعاة الجدد" بوجوه عمر عبد الكافي، ووجدي غنيم، وهؤلاء لم يكونوا أزهريين، ولم يخرجوا إلى التلفزيون أول الأمر، بل لجأوا إلى وسيط أكثر حرية وهو "شريط الكاسيت" الذي تمكنوا عبره من حصد شعبية هائلة في الشارع، ما جعل الصحف المصرية وعلى رأسها "روز اليوسف" في تلك الفترة تهاجمهم بضراوة. قبل أن تتعدد الشاشات التلفزيونية، ويجد هؤلاء متنفساً بصرياً لهم، ووسيلة للقائهم مع الجماهير بالصوت والصورة.

الموجة الثانية من الدعاة الجدد، كانت مع عمرو خالد، الشاب الأنيق من طبقة متوسطة عليا، الذي لا يتحدث في السياسة كما فعل سابقوه. مثل وجدي غنيم، اشتهر في الشارع المصري بسلسلة شرائط "خواطر معتقل"، لكنه حوّل الدعوة إلى أمر أكثر عملية: كيف تجعل الدين جزءاً من واقعك اليومي، صيغة بروتستانتية أميركية من الدين، يشبه فيها عمرو خالد الدعاة المسيحيين من الشباب الوسيمين الذين يقدمون محاضرات "حب الله" في استادات ومسارح كبرى، ويشاهدهم الآلاف، ولهم ساعات بث خاصة بهم.

نقل خالد هذه الصيغة الأميركية من الدين إلى الشاشة، وأصبح "بزنس الدعوة" أكبر، وفق متطلبات أكثر عصرية، وعبره انطلقت الموجة الجديدة من مصطفى حسني ومعز مسعود وغيرهما. الموجة التي تعتمد على خليط هجين من الدين وخرافات التنمية البشرية والبرمجة العصبية، التي تعلي من "الفردية" في شكلها الاستهلاكي الديني. ظهور عمرو خالد ووجوده هو الذي جعل الأزهر يفتش عن صيغة جديدة يستطيع بها أن يبقى في الصورة الدينية على الشاشة، من دون أن يفقد "هيبته" العلمية، فكان ظهور خالد الجندي كشيخ أزهري "معتمد" يجمع بين الحداثة والالتزام الأزهري، ويتراوح ملبسه بين الزي الأزهري التقليدي والأزياء العصرية.

غير أن هذه الموجة من الدعوة الإعلامية الهائلة كانت قد وصلت ذروة جماهيريتها في الفترة من 2000 إلى 2010، قبل ثورة يناير، مع مجال عام راكد لا جديد يحدث فيه على الصعيد السياسي، واستهدفت الطبقة المتوسطة وما فوقها بصفتهم الجمهور الأكبر للشاشات، والمعنيين بالمواد الإعلانية التي تظهر في هذه البرامج. ثم انحسرت هذه الموجة بشدة خلال السنوات الأولى للثورة، حينما بدت "ضحالة" هذه الوجوه الدعوية، ومواقفها المخزية من الثورة. ثم عادت مرة أخرى لتكتسب جماهيريتها بعد صعود نجم الرئيس عبد الفتاح السيسي ووصوله للسلطة.

ولأن هذه الظواهر الدعوية لا تنمو إلا في المجال الراكد، ما زال الناس يسألون عن فتاوى الصيام نفسها كل عام، وما زال الدعاة يجيبون بأريحية وبلا ملل.. فهواجس الناس ناحية الدين هي ما يجعل بضاعتهم الإعلامية رائجة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها