الإثنين 2017/06/05

آخر تحديث: 18:24 (بيروت)

"أم تي في".. العنصرية على سبيل العصرية

الإثنين 2017/06/05
"أم تي في".. العنصرية على سبيل العصرية
increase حجم الخط decrease
غالباً، وعندما يجري الحديث عن هجمات قناة "أم تي في" الإنبائية ضد السوريين، أكانوا عمالاً أم لاجئين، يحيل الكلام عن العنصرية، التي تتسم بها، إلى كونها منفصلة عن البغية الأولى والأخيرة للمحطة التلفزيونية، أي صناعة جمهورها، والمضاعفة من عديده، ببرمجةٍ، لها وجهتها المحددة.


على أن "أم تي في" بما تمثله، كشاشة عصرية تنطق باسم شريحةٍ طبقية، وقد عينتها بالتعاون مع "جمعية تجار بيروت" في حملة "خلّيلي محلي، تيبقى ناتج محلي"، فضلاً عن استضافتها المتلاحقة لرئيسها نقولا شماس، تجمع بين المحافظة من جهة، وتجاوزها من جهة أخرى، رابطةً، وفي الوقت نفسه، بين جسم قيمي مغلق، يتعلق بالهوية ووطنها وأدبها، وعكسه، أي تعديه بتحويله إلى جسم نازع صوب التسلية واللهو، بمعناهما الركيك.

فالمتفرجون، كما تريدهم القناة، هم المنضبطون بحدود قيمها على طول النهار، إلى أن يأتي الليل، ويتخطون انضباطهم، بحيث يروحون عن أنفسهم بمتابعة "منا وجر" أو "ما في متلو"، وفي طريقهم إلى هذين البرنامجين، وغيرهما، يتلقون الأخبار من النشرة المسائية، وخلالها، تعيّن القناة "عدوهم"، وتجعله وينفرون منه... ويخافونه.

هذا التعيين طبعاً، يكون باستغلال "أم تي في" لقضايا اجتماعية واقتصادية، لقضايا لا يمكن أن تصل إلى أي حل على أساس المنطق، الذي تتكئ المحطة عليه، لتحض اللبنانيين على أن يكونوا كتلةً واحدة ومتراصة في مواجهة السوريين: "اقتصاد باقتصاد، ومجتمع بمجتمع، موظف بموظف"، على قول شماس نفسه في إحدى مقابلاته. لكن، وبوصفها وسيطاً ميديوياً، تعين ذلك "العدو"، على الحدّ بين تفلت المتفرجين من انضباطهم في الجسم القيمي، وذهابهم إلى الترويح عن أنفسهم.

وهنا، تصوب الشاشة عيونهم نحو "العدو"، معلنةً لهم أنهم يزاحمهم في عيشهم، وبذلك، تحثهم على كرهه، بحيث يكون إحساسهم هذا هو صلتهم المشتركة، التي تبدلهم إلى جمهور مذعور.

"انظروا، انظروا، عدوكم يطمح إلى التمتع بما تتمتعون به إلى درجة حرمانكم منه.. إكرهوه!". هذا لسان حال "أم تي في" في لحظتها الإخبارية، التي تلتقط المتفرجين، وتخيفهم، قبل أن تتيح لهم الترويح عن أنفسهم. فهي تحتاج إلى تعيين ذلك "العدو" لكي تنقلهم من جسمها القيمي إلى جسمها النازع من الجدية، باعتبارها قرينة الانضباط، إلى التسلية، باعتباره قرينة مخالفه. وفي تعيينها له، تعطف الجسمين على بعضهما البعض، فعندما تأمر المتفرجين بكرهه، تكرس، وعلى إثر إنتاج الخوف فيهم، انضباطهم في جسم القيم، وبالفعل نفسه، تحضّرهم لتنقلهم إلى الترويح عن أنفسهم.

فوقت الكره، بحسب برمجتها، يقع بين وقتين، وقت الجد ووقت اللهو، بحيث تجد فيه منتهى الأول، وبداية الثاني: "لا يمكنكم أن تروحوا عن أنفسكم بلا أن تكرهوا عدوكم، أو من دون أن تخافوا منه، وإلا يكون قد نجح في مزاحمتكم على ترفيهكم، وأطبق على مصادره أيضاً". فالكره، في ظن القناة ومنطقها، هو أول الترفيه، أول السبيل إليه: الكره بهدف التسلية، والتسلية بغاية العودة عبرها إلى الكره.

هكذا، تحتاج القناة إلى العنصرية، تحتاجها على الدوام، لكي تحقق ما تتباهى به، أي عصريتها، التي تتمحور حول جسمها النازع، حول برمجتها الترفيهية القائمة باستعراض البذاءة والهزء السمج. فمن خلال الكره، ترص الجمهور وتلمّ شملهم. ومن خلال الخوف، تحضرهم لكي تجبرهم بمنافذٍ تحددها لهم لكي يروحوا عن أنفسهم، ذلك قبل أن تعيدهم من جسمها النازع إلى جسمها القيمي.

فعلياً، القناة تتعامل مع المتفرجين عليها كأنهم بلا رؤوس، وفي حال أتت على ذكر رؤوسهم، فذلك لكي تخبرهم، بعنف مجاهر به للغاية، بأنها "تتعرض للجز من المقص السوري"، كما جاء في أحد التقارير الإخبارية.  لكن، لا شيء يجعلهم بلا رؤوس أكثر من هذا النوع من الإعلام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها