الأربعاء 2017/06/28

آخر تحديث: 18:41 (بيروت)

بوركيني طرابلس.. لمَ كلّ هذا الجدل؟

الأربعاء 2017/06/28
بوركيني طرابلس.. لمَ كلّ هذا الجدل؟
تندرج ردة فعل اللبنانية نورا الزعيم في إطار فرض الذات والانفعال المبالغ فيه (غيتي)
increase حجم الخط decrease
تسببت اللبنانية نورا الزعيم في إطلاق جدل واسع احتل حيزاً كبيراً من اهتمام اللبنانيين، ذلك عقب إعلانها عن ما حصل معها في منتجع "ميرامار" في طرابلس ومنعها من السباحة بلباس "البوركيني" في المسبح العام غير المخصص للمحجبات، حيث دعت السيدة المحجبة في صفحتها في "فايسبوك" إلى تحويل حادتثها الفردية تلك إلى "قضية رأي عام" مماثلة لتلك التي ضجّت بها بعض البلدان الأوروبية سابقاً، وكأنّ عدوى التمييز قد وصلت إلى لبنان، وإن ما حصل معها هو أول الغيث، وما هي إلا أوّل المستهدفات فيه.


"لم أتصوّر للحظة واحدة أن يأتي الوقت الذي يمكن لأحد فيه أن يمنعني من السباحة على شاطىء طرابلس بسبب حجابي"، تقول نورا في منشورها الفايسبوكي، داعية اللبنانيين للدخول إلى صفحة المنتجع وتسجيل تقييم سلبي بحقه، باعتبار أنها صاحبة "قضية" عادلة، مردفة بالقول "تعرّضت للظلم والتجنّي على حقّي في مجتمعٍ أعيش فيه، وقررت عدم السكوت ورفع الصوت لأجلي ولأجل غيري".

ما أغفلته السيدة اللبنانية في مسعاها لوضع "قضيتها" في سياق أزمة مجتمعية لا يستند حقيقة لأي مُعطى واقعي، كون ما اعتبرته قضية تعدٍ أو تمييز كان من المفترض أن يستقي حجته في ما لو لم يمكن من المتاح لها اختيار مكانٍ آخر تسبح فيه، بينما الحال أن لبنان وعلى طول شواطئه يعجّ بالمسابح الخاصة بالنساء عامة والمحجبات منهن على وجه الخصوص، ما يجعل ردة فعلها تندرج في إطار فرض الذات والانفعال المبالغ فيه واعتراضٍ في غير مكانه، إذ أنّ مبدأ حرية احترام الآخرين يملي على جميع الأطراف احترام القوانين الخاصة التي تضعها إدارة المنتجعات وأماكن السباحة، ما يُملي بدوره على المرأة المحجبة - كونها كأي فرد من المجتمع- في هذا الإطار يفترض أن يقيّدها احترامها للقوانين التي ترعى حرية الآخرين وحقهم بفرضها على الداخلين على أماكنهم. ما جعل إطلاقها لهذا السجال ومن خلال دغدغتها لمشاعر المسلمين واللعب على وتر المدافعين عن الحريات، يبدو وكأنها على علم مسبق بأن كلامها سيأخذ صدى لدى هذه الشرائح، خصوصاً المحافظة منها، كونها دخلت في قضية ذات عنوانٍ يخطف الاهتمام ويستحق التعاطف، ألا وهو "الحجاب" و"المايوه الشرعي" الذي، برأيها، يُخوّل لمن ترتديه السباحة أينما تريد.

السجال الذي اندلع في مواقع التواصل وما تخلله من تضارب آراء علّقت على الحادثة، لم يرَ في أساسه أنّ ما حصل هو أزمة متعلقة بلباس "البوركيني"، إذ توزعت الآراء انطلاقاً من زوايا متعددة، كلّ حسب منظوره وقناعاته. ففي حين اعتبر البعض أن تأييده أو معارضته تنطلق من مبدأ الحريات الشخصية والعامة للطرفين، وجد آخرون الموضوع فرصة لإلقاء الضوء على حقوق مطلبية تتناسب مع متطلباتهم، إذ برز موقف لافت عبّر عنه البعض من خلال طرحهم لأسئلة مثل: "هل أنتم مع حرية البوركيني فيما أنتم ضد حرية شرب الكحول وحرية المجاهرة بالإفطار في شهر رمضان؟"، " هل توافق على شعار "طرابلس للكلّ"، وتتصدى لإزالة شعار "طرابلس قلعة المسلمين"؟ وفي السياق علّق أحدهم: "قدرة البعض على تحويل بوصلة النقاش مذهلة فعلاً. فهل فجأة تحوّلت طرابلس لدى البعض من قندهار إلى مدينة أوروبية تمنع ارتداء البوركيني؟".

كما علت أصوات أضفت على الحادثة أبعاداً سياسية "مؤامراتية"، حيث بدا وكأنّ أطرافاً ذات مصالح انتخابية في طرابلس أطلقت معاركها باكراً، من خلال الادعاء بأنّ شرارة الخلاف كانت من فعل فاعل ذي نوايا تعكس الصراع الخفي والعلني على زعامة طرابلس بين سعد الحريري وأشرف ريفي، ناسبين للسيدة نورا انتماءها لـ"تيار المستقبل" الذي يريد إحراج ريفي من خلال قريبه مالك منتج "ميرامار"، محمد أديب.

التدقيق في النقاش والجدل الذي أثارته هذه الحادثة يفضي إلى خلاصة بسيطة، مفادها أنّ ما حصل لا يعدو كونه مسألة فردية لا يرشّحها بأن تكون قضية عامة بأي حال من الأحوال، بل ينبغي التعاطي معها باعتبارها تتعلق بخيارات شخصية وقوانين خاصة تضعها كل مؤسسة على حدة، ويضمن القانون حقها في وضع مجموعة من الشروط التي لا تخالف السلامة ولا الانتظام العام، والتي تتفاوت من مؤسسة لأخرى من دون حاجة أو ضرورة لتعميمها على جميع المرافق السياحية أو الرياضية أو الترفيهية في لبنان.
 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها