الأحد 2017/06/25

آخر تحديث: 08:10 (بيروت)

واحة الشتات والأنانية

الأحد 2017/06/25
واحة الشتات والأنانية
منة شلبي لعبت دورها ببراعة
increase حجم الخط decrease
لا يحتاج المشاهد لقراءة رواية "واحة الغروب"، للروائي المصري بهاء طاهر، للحكم على المستوى الفني للمسلسل التلفزيوني المأخوذ عنها.. فاختلاف الأدوات الفنية والتعبيرية لكلا العملين، يحيد بهما عن أي مجال للمقارنة.

ولا يستطيع العمل الدرامي أن يستقي مبررات نجاحه أو فشله من جودة الرواية أو ضعفها، فالحرية تكون مطلقة أمام المبدع الجديد (صناع العمل الدرامي كلهم) إما للالتزام بنص الرواية، أو باجتزائه، أو بالإضافة إليه، بما يناسب رؤيته الفنية الخاصة.

وعلى الرغم من المستوى المتميز الذي بشرت به الحلقات الأولى لمسلسل "واحة الغروب"، (إخراج كاملة أبو ذكري)، وسيناريو وحوار كل من مريم نعوم وهالة الزغندي (15 حلقة لكل منهما)، إلا أن حلقاته التالية كشفت عن مشاكل فنية متعددة سواء على مستوى الإخراج أو الدراما.

وتتجلى تلك المشاكل في التشتت البادي على الرؤية الفنية لمخرجة العمل، التي وزعت مجهودها بين رغبتها التجريبية في صناعة صورة سينمائية تسجيلية عن الحياة المصرية في نهاية القرن التاسع عشر، وبين إدانة ذكورية المجتمع المصري وبلاء عاداته وتقاليده، في حين غفلت عن ضبط الإيقاع السردي لأحداث المسلسل، وقدمت دراما هشة بسبب السيناريو الذي انحاز لشخصيات، فأتمّ بناءها وترك أخرى مبتسرة.

وتنقسم قصة المسلسل إلى خطين رئيسين، يدور الأول حول شخصية الضابط المصري محمود عبد الظاهر (خالد النبوي)، الذي شارك في الثورة العرابية الفاشلة، وأثر ذلك الفشل على معاناته النفسية التي تفاقمت بفقدانه لحبه الوحيد، واللذين أثرا سلباً على زواجه اللاحق من كاثرين باحثة التاريخ الأيرلندية (منة شلبي)، التي رأت في تنكيل الاحتلال الإنجليزي بزوجها ونفيه لواحة في صحراء مصر فرصة لإنقاذ زواجهما. وأما الخط الثاني فتدور قصته حول أهل الواحة الذين يعانون الحروب الأهلية في ما بينهم من جهة، والضرائب المفروضة عليهم من الحكومة من جهة أخرى، ويلتقي الخطان بعد ثلث المسلسل الأول بوصول الضابط محمود لحكم القرية وجمع الضرائب من أهلها.
إيقاع النسيان
بدت رغبة أبو ذكري، خلال النصف الأول من المسلسل، واضحة في صناعة دراما تسجيلية عن مصر في نهاية القرن التاسع العشر، وهو شكل درامي جديد على المتلقي العربي، ويتطلب من صناعه جرأة كبيرة، حيث يرتهن في المقام الأول بذوق هذا المتلقي الذي قد يقبل العمل كله أو يرفضه كله.حيث تفرض هذه النوعية على الأحداث إيقاعاً بطيئاً متأملاً للصورة، لكن هذا الإيقاع التسجيلي للمسلسل، والذي ربما يحتكم أيضاً إلى الإيقاع البطيء للفترة الزمنية التي تدور أحداثه فيها، سرعان ما يضطرب مع بداية ظهور قصة الواحة، ذات الإيقاع التشويقي المتسارع، فيما تخفق المخرجة ومعها المونتير وسام الليثي في المزج بسلاسة بين الإيقاعين المختلفين لخطي الدراما المنفصلين، والممتعين كل منهما على حدة، فتبدو الكاميرا حين تنتقل بين القصتين وكأنه نسيت إحداهما فعادت لتذكر المشاهد بها. وبدلاً من أن يوحي تتابع الصورة للمشاهد باختلاف الإيقاع بين الخطين الدراميين، فإنه يُشعره بالملل.
الغريب أن هذا الإيقاع المضطرب يستمر مع أحداث المسلسل رغم التقاء الخطين معاً بوصول محمود وزوجته كاثرين للواحة، حين تركز بعض الحلقات على حال الواحة دون التطرق إلى حال الضابط وزوجته والعكس، ثم تعود إلى أي منهما كمن يتذكر ما سها عنه.

وليس اضطراب الإيقاع وحده الباعث على الملل في أحداث المسلسل، بل بعض تفاصيله المكررة دون انتباه. فعلى سبيل المثال، تستمر حفلات السمر التي يرقص فيها شباب الواحة من الأجواد والزقالة، في الحلقات: (20-21-23-24)، دائرة على أغنية تردد الكلمات الأمازيغية نفسها، دون تغير من ليلة/مناسبة لأخرى، وكأن تراث هذه الواحة لا يضم في أشعاره غير تلك الأغنية وحدها.
قصة مبتسرة
ولا يبدو أن الرغبة في تقديم عمل تجريبيّ كانت وحدها المسيطرة على المخرجة كاملة أبو ذكري، إذ كانت لديها رغبة أخرى ربما تشاركت فيها مع كاتبتي السيناريو، وهي استكمال ما بدأته من أعمال تناقش القضايا النسوية وتدين الهيمنة الذكورية للمجتمع المصري، وإن نجحت أبو ذكري في عمليها الماضيين "ذات" و"سجن النساء" في طرح تلك القضية عبر قالب فني متقن، إلا أن الدراما في "واحة الغروب"، تبدو مائلة للانسياق في اتجاه إبراز ذكورية المجتمع وتقاليده البالية في اضطهاد المرأة، الأمر الذي حول اهتمام السيناريست لبناء بعض الشخصيات بشكل مكتمل على حساب شخصيات أخرى رئيسية.

فعلى سبيل المثال، لا تبدو شخصية كاثرين بمثل ثراء شخصيات محمود الذكوري المهزوم، أو بشكل أدق، ليس لديها تاريخ درامي يجعل منها شخصية بمثل عمق شخصية البطل، ذلك أنه في ذكر تاريخ محمود عبد الظاهر، إبراز لذكوريته الوهمية، في حين لاتحتاج كاثرين شيئاً أكثر من أن تبدو زوجة مقهورة. غير أن المشاهد سيتساءل عندما يستمع إلى كاثرين تفسر سبب تعاستها مع زوجها، في خطاب لأختها، بأنه عقاب إلهي عما بدر منها تجاهها في الماضي، من دون أن توضح ذلك الذي قامت به، تحديداً في الحلقة السابعة عشر، فيما تظهر الأخت نفسها في الحلقة السابعة والعشرين من دون أن يتضح -حتى هذه المناسبة- كنه ذلك الذنب.

وليست هذه المناسبة الوحيدة التي تشير إلى وجود تاريخ غير معلوم لشخصية البطلة، إذ تتكرر الإشارة في أكثر من مشاجرة تنشب بينها وزوجها حين يتهم كل منهما الأخر بأنهما متشابهان وأن عاقبة ما فعلاه في حياتهما السابقة تطاردهما في الواحة.

القصة الرئيسة لأحداث المسلسل، تحمل عمقاً وصدقاً أكبر من اضطهاد المجتمع الذكوري للمرأة، حيث تدور حول الأنانية المسيطرة على شخصيات المسلسل الرئيسة كلها، بدءاً من محمود وكاثرين وانتهاء بمليكة ويحيى وصابر، والذين لا يبدي أي منهم ولاءً إلا لصورته المتخيلة عن نفسه.

ولا يعني ذلك أن المسلسل قد خرج كله ضعيفًا، فقد احتوى على عناصر إجادة أخرى كثيرة، أبرزها الديكور المتقن، واختيار المناظر، وتصميم الملابس، والمكياج، والتصوير، وكذلك إجادة كل من خالد النبوي ومنة شلبي وأحمد كمال ورشدي الشامي لأداء أدوارهم في براعة، بالإضافة إلى التتر البديع الذي أخرجه منفردًا عطية أمين، وألف موسيقاه تامر كروان، والذي ربما يكون أكثر تعبيراً عن دراما المسلسل من المسلسل ذاته، حين تظهر فيه الشخصيات تائهة كلها لا ترى شيئًا غير نفسها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها