الأربعاء 2017/06/21

آخر تحديث: 13:19 (بيروت)

يحيى الفخراني إن تحدث في السياسة..

الأربعاء 2017/06/21
يحيى الفخراني إن تحدث في السياسة..
increase حجم الخط decrease
إذا أراد المتابع للمشهد السياسي في مصر أن يتعرف بشكل عملي على بعض مشكلات الثورة المصرية والمنتمين إلى معسكرها، فعليه أن يتابع كل ما يتعلق بقضية جزيرتي تيران وصنافير، واللغط الذي أثير حولها. فالحدة التي انحاز لها المعنيون، بين مؤمن إيماناً مطلقاً بما يروج له النظام، وبين آخر منتم للثورة، رفعت المسألة إلى درجة "الخيانة" بتبني خطاب قومي ذكوري يعتبر أن الأرض هي العرض والشرف، ويحمل في باطنه درجة لا تخفى من الاستعلاء على السعودية، لمجرد أنها السعودية وأن المصريين "أفضل" من السعوديين.


تكرر ذلك في الجدل المثار حول تصريحات الفنان يحيى الفخراني حول قضية الجزيرتين. المعركة السياسية في هذا الإطار، تضيع في تفاهات الخطابات الرجعية والمزايدة الأخلاقية، والرعونة المشهدية، مقابل خفوت الصوت الأكثر عقلانية المعني بالقضية بعيداً من الانحياز لأحد المعسكرين. التورط الخطابي في أبجديات السلطة، في التعامل مع المسألة الحساسة، أفقد الانتصار الثوري الكثير من رونقه بمعارك جانبية فارغة، مثل قضية "الإصبع" لخالد علي في لحظة انتصاره القانوني.

هذه الحماسة، أوقعت الكثير من المتابعين في فخ الهجوم العنيف على الفخراني، بعد العنوان المجتزأ والمقتطع من سياقه في مداخلة هاتفية له مع الإعلامي عمرو أديب. العنوان كان: "أرفض العمل مع من يرى أن تيران وصنافير مصرية"، ما أثار شهية المتحفزين من المعسكر الثوري للهجوم عليه، إلى درجة النَّيل من زوجته الكاتبة، معادية الثورة، لميس جابر، وإلصاق صفات الذكور بها، والتعليق على ملامحها وصوتها وشكلها، ما فتح باباً من السفالة الذكورية، لا تخدم القضية بقدر ما تنال من المدافعين عنها.


المشكلة الأساسية، أن الفخراني لم يقل أي شيء مما قيل في العنوان جالب "الترافيك"، بل قال ببساطة أنه يرفض الاشتراك في عمل فني ضد قناعاته الشخصية، لذلك لن يقبل أن يشترك في عمل فني يقول بمصرية تيران وصنافير لأنها ضد ما يؤمن به شخصياً. واستشهد بموقف حدث بينه وبين كاتب السيناريو الراحل أسامة أنور عكاشة، المعروف بناصريته، وخلافهما في جملة حوارية حول اتفاقية "كامب دايفيد" التي يرفضها عكاشة قطعاً، ويؤمن بها الفخراني، فما كان منه بعد نقاش طويل إلا أن قالها بطريقة تفيد عكس معناها الرافض، لأن المغني لا الأغنية، هو القادر على إيصال المعنى، بحسب تعبيره.

ترك معظم مهاجمي الفخراني ما قاله واكتفوا بالعنوان للأسف، ما لا يفيد القضية في شيء سوى إظهار المدافعين عن مصرية الجزيرتين بمظهر أرعن متسرع. على الرغم من أن حديث الفخراني حمل الكثير من سمات متيبس الفكر المؤمن بالدولة إيماناً مطلقاً.

بعيداً من فكرة التعامل مع الفخراني وزوجته الكاتبة لميس جابر باعتبارهما كياناً واحداً، فإن الفخراني أوضح في حوارات عديدة موقفه من ثورة يناير ومبارك والسيسي والإخوان من دون مواربة. ففي تصريحات لصحيفة "اليوم السابع" العام 2014 قال صراحة أن "مصر في هذا التوقيت بحاجة إلى رجل مثل محمد علي باشا، وللأسف الزمن مش مساعد السيسي زي محمد علي، ورغم صعوبة الظرف فإنني متفائل جداً، وهذا لا يمنع أني عندي تخوف من أعداء الوطن في الداخل والخارج، والسيسي أذكى من المطبلاتية، وأعتقد أنه يفهمهم جيداً، وهو معندوش رفاهية الفشل، لذلك انتخبته، وبدأ في تنفيذ تجاربه بمشروع قناة السويس، ويتحتم علينا الوقوف بجواره، علشان محدش يقدر يضربه".

لم تصدر هذه التصريحات من مواطن عادي، بل من فنان يصدر صورة مستمرة عن نفسه باعتباره الممثل المثقف صاحب الوعي، لكنه يخالف تلك الصورة بالمطلق عندما يتحول الحديث معه إلى ميدان السياسة، فنراه يتفوه بمثل تلك الترهات التي تفيد بأن وعيه السياسي متجمد وقاصر.

في مقابلة أخرى مطلع العام الحالي مع "اليوم السابع" أيضاً، صرح الفخراني برأيه في الثورة، التي كان الكل "سعيداً" بها في البداية لأن أحداً لم يكن يعرف حقيقتها، معرباً عن إحساسه الدائم بأنه يجب إصلاح نظام مبارك لا تغييره. متحدثاً عن خوفه على الشباب المتظاهرين حينها من أن يتم رميهم برصاص حرس مبارك، لأنه كان يعتقد "أنهم شباب ثوري نقي وطاهر" قبل أن يظهر "المخطط الأميركي"، ليخلص إلى أنّ ما حدث في البلاد لم يكن ثورة، بسبب وقائعها من "حرق أقسام الشرطة" إلى إيصال جماعة "الإخوان" للحكم، وبالتالي إن تم اعتبارها ثورة فيجب أن تكون "ثورة إخوانية"، بحسب رأيه!

وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يقول فيها الفخراني رأياً واضحاً في الثورة، وكيف أنه مؤمن بما يروج له النظام وأبواقه عن المؤامرة والمخطط الأميركي. وهذا بالتحديد ما يدعو للنقد، والتفكير في ما وراء هذه التصريحات التي توافق هوى الدولة، أو كما فصّل الكاتب بلال فضل في تدوينة له في "فايسبوك" بأن حالة الفخراني "كحال أغلب كبار الفنانين المصريين اللي بيعتبروا رضا الحاكم والسلطة أهم من رضا الجمهور، لإنهم عارفين إن الحاكم في إيده يقفل المحبس، ويقعدهم في البيت بدون شغلة ولا مشغلة".

وعليه، ربما يكون يحيى الفخراني واحداً من المواهب اللافتة في مسيرة الدراما والسينما المصريتين، وهو من الوجوه المحببة للمشاهد المصري في رمضان، وهو ما سيبقى منه عندما تذهب السياسة بعد غياب ظرفها الآني. لكن نقده بضراوة وعنف هو حق مكفول للجميع، وإن كان على النقد أن يكون مبنياً على معطيات صحيحة، وإدراك حقيقي للواقع، لا أن يبنى الهجوم برعونة على مقولة عابرة، لأن خطورة ما يطرحه سياسياً بشكل عام أولى بالنقد وأحق بالتقويض العقلاني. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها