#العقار_المائل في الاسكندرية.. من عجائب الفساد السبع

على مدار أسبوع كامل، لم تتوصل تحقيقات محافظة الاسكندرية إلى الجناة الحقيقيين في واقعة برج الأزريطة المائل، ولم تفلح الأحداث السياسية والطائفية المتتالية والمسلسلات الرمضانية في إيقاف سيل الانتقاد والسخرية الذي تسببت فيه الصورة التى نشرها أحد سكان الأزريطة لبرج سكني مبني حديثاً في المنطقة، يزداد ميله إلى الأمام بصورة ملفتة يوماً بعد يوم.

وتحولت السخرية من العقار المائل في "فايسبوك" و"تويتر" إلى إنتاج نوع خاص من الكوميديا، كما تدخل المستخدمون من كافة أنحاء مصر لتصوير عشرات الأبراج والعقارات المخالفة في محافظات الغربية والقاهرة والقليوبية، وظهرت صور وتعليقات تقسم محافظات مصر وفق أكثرها فساداً فى المحليات، حيث حظيت الاسكندرية والقاهرة فى مناطق تابعة لأحياء معينة على مراكز متقدمة من حيث عدد الأبراج المخالفة أو الآيلة للسقوط منذ بنائها الذي لم يمر عليه أكثر من ثلاث سنوات فقط، مثل المناطق العشوائية القريبة من حي المعادي كشارعي أحمد زكي وفايدة كامل، في حين يرد الحكوميون بأنه لا شأن للدولة في انتشار المخالفات بهذا الكم الرهيب في مختلف المحافظات، لأن بعض موظفي المحليات الفاسدين وأصحاب العقارات استغلوا "فوضى الثورة" لبناء أبراج شاهقة في مساحات ضيقة وعشوائية لا يمكن الترخيص فيها ببناء أكثر من ثلاثة طوابق.

بعد ذلك، ردت القيادات المحلية الحكومية في محافظة الاسكندرية على سخرية الناس من البرج المائل بعدة أخبار وبرامج لمذيعين تابعين للحكومة على الرغم من أن أغلب ضيوفهم فى فقرات هذه البرامج يرتدون ثوب المعارضة الشرسة، كما سخّرت الصحف القومية مساحات واسعة لتقارير إخبارية مصحوبة بصور المحافظين ورؤساء الأحياء بصحبة قيادات من الإدارة الهندسية التابعة للقوات المسلحة، مثل الصورة المنشورة في "الأهرام" يوم الأحد الماضي وفي موقعها الإلكتروني أيضاً، في محاولة لخلق انطباع بأن المباني المخالفة فى المحافظات تحظى باهتمام الجيش وتمثل رهاناً صريحاً على ثقة الشارع فى قدرة "الميري" (القطاع الحكومي) على حل أي أزمة مهما بلغ تفاقمها وازداد تعقيدها.

لكن كل تلك المحاولات الإعلامية زادت الطين بللاً، فانتقلت السخرية من فساد الأحياء إلى الخطوات التى اتخذتها محافظة الاسكندرية تجاه عقار الأزريطة، حيث شكلت لجنة "إدارة أزمة عقار الأزريطة"، تضم أساتذة جامعيين من هيئة تدريس كلية الهندسة بجامعة الاسكندرية وبعض ضباط الإدارة الهندسية التابعة للجيش وموظفين حكوميين يعملون في الإدارة المحلية للإسكندرية، واستدعت اللجنة فى أول  أيام عملها "ونشاً" عملاقاً صوره سكان الأزريطة وعلقوا على لقطاته ساخرين بأن "ونش الحكومة يحاول عدل العقار عن الميل إلى الأمام وإرجاعه إلى الخلف قليلاً كى يبدو منظره طبيعياً".

وفي اليوم الثاني من عمل اللجنة انتقلت التعليقات الساخرة من محاولة تعديل المبنى إلى محاولات هدم العقار من أعلى إلى أسفل، طبقاً لقرار اللجنة بعد المعاينة، وإلى حين ذلك ورغبة من الحكومة فى التخلص من سخرية السكان ومواقع التواصل الاجتماعي بنيت حوائط خرسانية حول العقار المائل ليكف الناس عن تصويره من كل زواياه، لكن بعض مصممي الغرافيكس استخدموا صور الـ"gif" وصمموا صور "كومكس" ساخرة لحبيب يحتضن البرج المائل من أعلاه ويمد يده ليلمس يد حبيبته المقيمة فى العقار المقابل الذي يميل البرج نحوه، فيما قارنه البعض الآخر ببرج بيزا المائل الشهير في إيطاليا.

إلى ذلك، كتب أحد سكان الأزريطة تعليقاً هو الأقوى على فيديو "ونش" اللجنة وهو يحاول هدم قطع من سطح البرج المائل، قال فيه مازحاُ: " بعد أن تنتهي الأزمة سأؤلف كتاباُ عن العمارة المصرية منذ عهد المماليك وحتى الأزريطة"، كما ظهر البرج وهو يميل رداُ على رقصة لنجم البوب العالمي الراحل مايكل جاكسون، وعلى الرغم من اللافتات الحكومية المعلقة حول البرج وتدعو إلى عدم الاقتراب منه أو التصوير بجانبه حرصاً على السلامة، تحوّل البرج إلى مزار من معظم أهالي الإسكندرية لالتقاط صور السيلفي.

وفي الجهة المقابلة من الشارع، كان هناك تجمع آخر لسكان البرج المائل الذين طردتهم اللجنة  إخلاءاً للبرج قبل هدمه، وهم الآن يرفعون لافتات تطالب بالحصول على تعويضات أو وحدات سكنية بديلة عن شققهم فى البرج، في حين زارهم عدد من مسؤولي المحافظة منذ أيام وأبلغهم بتصريح المحافظ حول تجهيز 48 وحدة بمساكن تعاونيات العامرية ليتم إيواء الأسر المتضررة فيها بشكل دائم بحسب البيان الصادر عن محافظة الإسكندرية والذى نشرته الصحف على مدار الأسبوع الماضي أكثر من مرة كي تبرز الاهتمام بالموضوع.

وأشار بيان محافظة الاسكندرية أن اللجنة ستنتهى من أعمال هدم العقار فى أسبوع على الأقل مع متابعة التحقيقات والاطلاع على تحريات الرقابة الإدارية، بعدما قالت المحافظة أن التحقيقات كشفت عن صدور ترخيص بناء عقار لا يزيد عن دور أرضي وطابقين، لكنه وبصورة مخالفة وصل إلى 13 طابقاً، علماً أن العقار المجاور الذى كان يحمي البرج من السقوط ويستند عليه هو مخالف أيضاً ويصل ارتفاعه إلى 17 طابقاً من دون أن يصدر بشأن  العقارين أية تراخيص بناء من الحي، أو المركز الذكي في محافظة الإسكندرية.