على أن الحجب الأكثر دوياً، كان لموقع "مدى مصر"، فهو بداية لا ينتمي لأي من الفئتين السابقتين، فلا هو موقع ممول من مؤسسة قطرية، ولا له انتماء إخواني، لكنه الموقع الإخباري الأخير في مصر الذي فيه الكثير من روائح ثورة يناير، وصلابة أحلامها، وشراسة مواجهتها للتخاريف الحكومية بالجهد الصحافي والتحقيقات الاستقصائية. لم تكن "مدى مصر" منحازة لمعسكر ولا ذات "أجندة" كما في الكثير من المواقع المصرية. بالتأكيد هذا هو صداع الأمن المصري، جهة صحافية قادرة على الاستمرار بمهنية صلبة.
نقيب الصحافيين، مرشح الأمن المصري، عبد المحسن سلامة، رحب بالخطوة الجديدة، في تصريحات لـ"اليوم السابع" أيضاً، قال فيها "علمتُ أن بعض المواقع المصرية تم حجبها، لكني لم أتلقّ أي شكوى من القائمين على هذه المواقع، وفي حالة ورود شكوى بشأن حجب مواقع مصرية سننظر فيها وسننظر في نوعية هذه المواقع وسنتواصل مع الأجهزة المعنية في الدولة لمعرفة حقيقة هذا الأمر، وإذا كانت هناك مواقع ثبت تورطها فلا بد أن نتلزم بالقانون.. أنا مع الحريات ولكن لا بد من وضع قواعد منظمة لإنشاء المواقع وعملها وضبط أدائها بحيث تتوافق مع المعايير القانونية وبحيث تكون خاضعة للمساءلة".
يتحدث نقيب الصحافيين عن "الالتزام بالقانون" بالطريقة نفسها التي يتحدث بها الأمن تماماً، والتي تعلّم الجميع السكوت أمام انتهاكات أكثر مخالفة للقانون، بغرض إعمال قوانين الأمن والإرهاب التي صارت ذريعة الدولة الدائمة في إسكات من تريد إسكاته.
حجب "مدى مصر"، ألقى بثقله على مواقع التواصل الاجتماعي التي تفاجأت بالحجب. لم يكن "مدى مصر" من المواقع الأعلى مشاهدة في مصر، ولم يكن من المواقع التي تتلق تمويلاً سخياً من مؤسسة ما، أيضاً لم يكن ذا تأثير واسع النطاق على مستوى جماهيري، غير أنه قدم نوعية أكثر تماسكاً من معظم ما يُقدم في المنصات الإخبارية. ورغم "محدودية تأثير" الموقع، المقتصر على الباقي من النخبة السياسية المؤمنة بالثورة، فإن الدولة رأت فيه إزعاجاً وخطراً محتملاً، كما رأت في خالد علي، و"حزب العيش والحرية" الذي ينتمي إليه، خطراً، رغم محدوديتهما أيضاً على المستوى الجماهيري.
السلطة لا تريد أن تترك أي شيء للصدف، للظروف، لا تريد الاستهانة بأي خطوة معارضة عاقلة خارج حصارها، درس ثورة يناير ما زال ماثلاً أمامها: "شوية العيال على الإنترنت" غيروا النظام مرة، ما الذي يمنع أن تتكرر الواقعة ثانية؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها