الأحد 2017/05/21

آخر تحديث: 15:51 (بيروت)

زيارة إيفانكا تفضح الكبت الجنسي العربي

الأحد 2017/05/21
زيارة إيفانكا تفضح الكبت الجنسي العربي
ليست المرة الأولى التي يفتن فيها العرب بإيفانكا
increase حجم الخط decrease

"أبيات الشعر التي كتبت غزلاً في جمال إيفانكا لم يكتب لها مثيل منذ أيام ليلى العامرية"، هي إحدى التغريدات الساخرة من كمية الهوس الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي العربي بعد وصول إيفانكا مع والدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العاصمة السعودية الرياض، والتي لم تتوقف عند إبداء الإعجاب وكتابة قصائد الشعر وتقديم النذور والهبات وطلبات الزواج منها رغم انها متزوجة، بل بلغت حداً لا يصدق مع نفاد الكميات المعروضة من ثوبها باهظ الثمن في المتاجر الإلكترونية بعد ساعة واحدة فقط من وصولها إلى المنطقة.

ومن غير الصحيح تماماً الحكم على كمية التعليقات الهائلة التي امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي العربية حول إيفانكا ابنة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذ وصولها مع والدها إلى العاصمة السعودية الرياض، بالقول أنها سخيفة أو تافهة أو خالية من المعنى، خاصة إن كان المبرر لإطلاق حكم متعجرف من هذا النوع هو الجزم بضرورة أن تتناول التعليقات في مواقع التواصل أموراً فكرية وقضايا كبرى بالتركيز على الزيارة من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية مثلاً.

فغزارة التعليقات التي أوصلت هاشتاغ #بنت_ترامب إلى قائمة المواضيع الأكثر رواجاً في "تويتر" وكمية المشاركات الموازية حول إيفانكا في "فايسبوك" و"واتس آب" و"يوتيوب" و"إنستغرام" وبقية منصات التواصل الكبرى، تحيل إلى حقيقة أن المستخدمين لمواقع التواصل هم مستخدمون عاديون تدفعهم للتعليق والكتابة رغبة في التعبير عن أفكارهم الخاصة أو للتعليق على أمور تمسهم بشكل شخصي مباشر، وقد لا يكون تحليل زيارة ترامب إلى السعودية واحداً منها حتى لو كان المستخدم سعودياً أو عربياً، وهي حالة قد تكون معكوسة لو كان المعني بالزيارة والصفقات الكبرى التي تضمها والتحولات العسكرية – السياسية التي تحاول الوصول إليها، مواطناً من دول غربية.

يرتبط ذلك بحقيقة الفجوة التي تفصل الطبقة الحاكمة عن المواطنين في المنطقة، والتي كرستها عقود من الدكتاتورية في الشرق الأوسط، لتخلق نوعاً من اللامبالاة تجاه المسائل السياسية الخارجية تحديداً، والتي قد لا تؤثر على الحياة اليومية للأفراد على المدى القصير. ولا يتم التعبير عن هذه اللامبالاة بالصمت أو التجاهل عموماً، بل عبر السخرية والاستهزاء أو بتحويل النقاش إلى زوايا بعيدة بشكل يبدو تسطيحاً للقضايا الحدثية المهمة، وهي نقطة متكررة في كافة ردود الفعل العربية تجاه أحداث بارزة، محلية وإقليمية وعالمية.

وعليه يصبح الافتتان بإيفانكا طبيعياً لأنه تفاعل مباشر على المستوى الشخصي للحدث، وهو تعبير بريء حتى لو كان يعبر عن رغبة جنسية صرفة، وبه ينكشف مدى الكبت الجنسي المروع الذي يعاني منه المجتمع السعودي، والمتولد عن سطوة الحكم الديني المتشدد والدكتاتورية والفصل العنصري بين الذكور والإناث في السعودية والقوانين المجحفة بحق المرأة السعودية.

النقطة السابقة لم تتم إثارتها في النقاشات حتى من قبل السعوديات أنفسهن، واللواتي بدوّن كأنهن لا يعرفن أصلاً بوجود فارق حقوقي ومجتمعي بينهن وبين إيفانكا سوى في الأنوثة التي سلبت منهن في التعليقات والتغريدات من قبل الذكور، وفي ذلك أيضاً عودة للمستوى الأكثر شخصانية من التعاطي مع الحدث الذي بات هنا الأنوثة كمفهوم جسدي وليس الزيارة التي تقوم بها إيفانكا.

وكان بارزاً رغبة النساء السعوديات في إظهار التماهي مع إيفانكا والتعبير عن الإعجاب بها بغض النظر عن لوم الذكور على الانجذاب الجنسي تجاهها، حيث تكرر وصفها من قبل النساء بأنها ربة منزل مثلهن أو أنها "ابنة والدها" مثل كثيرات من السعوديات، ونسيت النساء هنا طرح مقاربة شديدة الأهمية حول حقوقهن غير الموجودة بدءاً من قيادة السيارة إلى نظام الوصاية الذكورية وحتى حق اختيار الملابس أو عدم ارتداء الحجاب والعباءة، رغم أن إيفانكا نفسها كقدوة طارئة لهن أسدلت شعرها الأشقر الطويل بحرية، وكان ذللك الشعر من أبرز النقاط التي توقفت عندها عبارات الغزل الشبقة، كما توسع التماهي النسائي مع إيفانكا إلى إقبال واسع على شراء فستانها الذي ارتدته، والذي نفذت الكمية المعروضة منه بعد ساعة واحدة فقط من وصول إيفانكا للرياض، حسبما أعلن متجر "Cedric Charlier".

اللافت هنا أن الرد أتى عبر هاشتاغ مضاد هو #السعوديين_خرفان_إيفانكا، والذي نشطه سعوديون وعرب ضد الهاشتاع الأول وإنما لأغراض مختلفة، فالسعوديون وبدرجة أقل الخليجيون عبروا عن استيائهم من النكات وعبارات الغزل وتركيز المغردين من الرجال والشباب على جمال وأنوثة إيفانكا، ورأى بعضهم أن ذلك يشكل إهانة للمرأة السعودية التي تتمتع أيضاً بالجمال والأنوثة، ورأى آخرون آن ذلك يعطي صورة سيئة للشاب السعودي بشكل يسقط عنهم هيبتهم، في نقاشات شديدة الجدية عموماً.

من جهتهم، استخدم المعلقون العرب الهاشتاغ لإظهار الحقد السياسي بينهم وبين السعوديين، بدلاً من التركيز على طرح نقد في صميم المشكلة من جديد، ليأخذ الهاشتاغ بامتداده العربي نوعاً من السخرية المراد منها تحقير السعوديين وذمهم بامتلاك كثير من الأموال وعدم امتلاك "الحضارة"، ثم الاستهزاء بتعبير السعوديين عن إعجابهم بإيفانكا كنوع من التنافس الذكوري الجنسي في الفحولة لا أكثر. وهي تعليقات مهينة في مجملها ولا تخلو من العنصرية، كما أنها تعبر عن تصدير للمشكلة ورميها على الآخر رغم امتلاكها من قبل المعلقين المنتقدين أنفسهم على الأغلب، فيما يبدو أنه نوع من الميكانيزمات الدفاعية النفسية لعدم الاعتراف بحقيقة امتلاك مشكلة شخصية – ذاتية تخص كل متحدث حسب مجتمعه الضيق.

والحال أن هذه ليست المرة الأولى التي يفتن فيها العرب بجمال إيفانكا ابنة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد كانت الشقراء البالغة من العمر 35 عاماً والمتزوجة من المستشار البارز في البيت الأبيض جاريد كوشنر، مصب اهتمام المعلقين في مناسبات سابقة مثل يوم الانتخابات الأميركية التي فاز بها ترامب ويوم تنصيب ترامب كرئيس للولايات المتحدة في شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وحتى يوم الضربة الأميركية التي أمر بها "أبو إيفانكا" ضد النظام السوري إثر ارتكاب الأخير مجزرة بالسلاح الكيماوي في خان شيخون.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها