الأربعاء 2017/05/17

آخر تحديث: 18:15 (بيروت)

الديموقراطية الإيرانية.. والصورة الخادعة

الأربعاء 2017/05/17
الديموقراطية الإيرانية.. والصورة الخادعة
الديموقراطية في إيران
increase حجم الخط decrease
طوال الأسابيع الماضية، كانت الانتخابات الإيرانية بتجلياتها المختلفة، هي الحدث الأبرز عبر وسائل الإعلام الرسمية في البلاد، والتي صدرت النقاش والجدل حول المرشحين الستة للانتخابات في صراعهم للوصول إلى منصب الرئاسة، مصورة الأمر وكأنه عملية ديموقراطية حقيقية ضمن أجواء من الحرية الغربية، بشكل يعاكس من جهة الواقع السياسي في البلاد التي لا يعتبر المرشد الأعلى علي خامنئي هو الحاكم الفعلي وصاحب السلطة الأكبر، ويناقض من وجهة أخرى ما يفكر به الشعب الإيراني تجاه الانتخابات نفسها بالنظر إليها كعملية "زائفة".


وخلال المناظرة التلفزيونية الثالثة والأخيرة قبل أيام، قدم المرشحون الستة (قبل انسحاب عمدة طهران المتشدد محمد باقر قاليباف) بأنفسهم سبباً لماذا تعتبر هذه الانتخابات صورية بشكل فاضح أكثر من أي وقت مضى، بتركيزهم في المناظرة، على تصيد عثرات بعضهم البعض بدلاً من عرض ما يريدون تقديمه، لأنه في الأساس لا شيء لتقديمه في المنصب الشرفي لرئاسة الجمهورية، في وقت تتخذ فيه كل القرارات الجوهرية من طرف خامنئي بما في ذلك تحديد السياسة الخارجية لطهران، إضافة لعدم وجود سلطة حقيقية للرئيس مهما كانت هويته على الحرس الثوري الإيراني بأنشطته المختلفة التي تزعزع استقرار الشرق الأوسط عموماً.

استراتيجية المرشحين في الهجوم على بعضهم كانت البصمة البارزة طوال حملاتهم الانتخابية، وكأنهم يعترفون بشكل ضمني أنهم جميعاً ليسوا سوى جزء من عمق النظام الإيراني أحادي الاتجاه منذ العام 1979، والقائم على قمع الشعب الإيراني وامتصاص ثروات البلاد. أما فكرة الانتخابات نفسها فلا تمت بصلة إلى تغيير سياسات الدولة أو رسمها أو تداول السلطة كما هو الحال في الديموقراطيات الغربية الحقيقية، بل بتقاسم الثروات ضمنه بين التيارات الداخلية ضمنه فقط، فيما تشكل مصطلحات مثل المحافظين والإصلاحيين مجرد شعارات خالية من المعنى فعلاً، حسبما تشير تقارير غربية مطلعة.

ويريد الإعلام الإيراني هنا، تقديم صورة خادعة عن النظام أمام العالم، بأنه منفتح وتعددي ويخالف الاتهامات الغربية الموجهة إليه، ووصل الأمر إلى استنساخ الخطاب الشعبوي اليميني الذي اجتاح الديموقراطيات الغربية، من قبل المرشحين المتشديين وتحديداً ابراهيم رئيسي ومحمد باقر قاليباف الذي انسحب من السباق الثلاثاء، بعدما استنتسخ عبارات من حركة "أوكيوباي وول ستريت" اليمينية الشهيرة في حملته كقوله أن "ألنخبة الإيرانية علقات دموية تمتص دماء 96% من الشعب الإيراني".

خطاب المرشحين المحافظين اعتمد على تقديم صورة قاتمة للحياة في ظل الإصلاحيين بمعزل عن تقديم صورة مشرقة للحياة في حال فوزهم بالانتخابات، كما قاموا باستخدام نفس الانتقادات التي توجهها المعارضة الخارجية وجماعات حقوق الإنسان والهيئات الدولية، والموجهة عادة للسلطة الدينية في إيران، لتوجيه خطاب قاس ضد روحاني كمرشح مفضل للفوز بولاية رئاسية ثانية، وتتضمن تلك الانتقادات حديثاً حول الفساد والمحسوبيات ومحنة الفقراء والحاجة لعدالة اجتماعية، وهي أيضاً مصطلحات تتكرر لدى الإيرانيين العاديين.

هذا الخرق في الخطاب لم يكن محصوراً بالمحافظين، فعلى الطرف الإصلاحي قدم روحاني انتقادات مماثلة للحرس الثوري الإيراني نفسه، لكن من دون أن يسميه بشكل مباشر، وانتقد سطوة رجال الدين في ظل الحكومات المحافظة كحكومة محمود أحمدي نجاد، والتي تبقى في المجمل انتقادات شكلية لا تلامس جوهر الحياة السياسية الفعلي في إيران، خاصة أن المؤشرات تفيد بأن لعبة الانتخابات الحالية وتصويرها كحرب شرسة بين رئيسي وروحاني، هي مجرد محاولة لنشر اسم رئيسي في أوساط الشعب الإيراني تمهيداً لتعيينه في منصب المرشد العام إثر وفاة خامنئي المرتقبة، مع تفاقم حالته الصحية.

والحال أن هذه المحاولات ليست إلا جزءاً من الجهود الرامية لإعطاء انطباع بأن "الديموقراطية الإيرانية" تسير في تيار الديموقراطية الغربية نفسه، وأن ما يحدث في إيران يحدث في بقية العالم وبالعكس، بشكل يزيل فكرة العزلة الإيرانية والخوف من إيران كعاملين أسهما في إحجام الشركات الكبرى عن الاستثمار في السوق الإيرانية رغم إسقاط العقوبات عن البلاد بعد الاتفاق النووي، من بين مجموعة عوامل أخرى، كانت حاضرة في النقاش الانتخابي ذي الطابع الاقتصادي.

يتماشى ذلك مع حقيقة أن الفترة الحالية هي فترة سلام لا فترة حرب، فإيران لا تريد في الواقع حرباً مع الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي، بل تريد إنعاش اقتصادها وتحقيق استفادة قصوى من فوائد الاتفاق النووي، ويتجلى ذلك مع حقيقة أن المرشحين الستة أجمعوا على دعمهم للاتفاق النووي الإيراني والتزامهم التام به كـ"وثيقة وطنية"، لأن النخبة الحاكمة والدوائر المحيطة بخامنئي تستفيد بشكل مباشر من الاتفاق ضمن دوائر متداخلة من الفساد، جعلت الأموال التي ضخت على إيران تتوزع إلى النخبة الحاكمة ولا تصل للشعب، وهو أمر لن يتغير بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات.

النقطة السابقة مرتبطة إلى حد كبير بموقف الإدارة الأميركية، التي تبدو ملتزمة بدورها بالاتفاق النووي رغم كل تهديدات ترامب للانسحاب منه بشكل أحادي، إلا أن كل ما يقوم به يظهر التزاما به، ورغبة في تنفيذ بنوده بصرامة لا أكثر، وتشديد الخناق على إيران في ما يخص أنشطتها غير النووية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، كتجارب الصواريخ الباليستية مثلا والحروب التي يشارك فيها الحرس الثوري في سوريا واليمن أو دعم طهران لفئات على حساب أخرى في دول مثل لبنان والعراق والبحرين.

هذه الحقائق لا تغيب كثيراً عن الشعب الإيراني، حيث تشير مواقع التواصل إلى كمية متزايدة من السخط العام تجاه الانتخابات نفسها، بموازاة احتجاجات رمزية في الشوارع أيضاً، وتبرز مقاطع فيديو نشرت في "يوتيوب" ومواقع التواصل الاجتماعي وشبكات مراسلة مثل "تيليغرام"، نشر أوراق تدعو لمقاطعة الانتخابات ولافتات رافضة للمرشحين الرسميين ولافتات تدعم بعض قادة المعارضة المنفية من البلاد أصلاً. وذلك رغم المخاطر الأمنية التي تواكب تصوير مثل هذه المقاطع.


وفي "تيليغرام" بث معارضون للنظام الإيراني مقاطع فيديو وثائقية تشكف عن خلفيات المرشحين للرئاسة ومشاركتهم في ارتكاب جرائم ضد الشعب الإيراني، بغض النظر عن المسمى الذي ينشطون باسمه بين المحافظين والإصلاحيين، بينما انتشر على نطاق واسع في "تويتر" هاشتاغات باللغة الفارسية مثل "أنا لن أصوت" و"صوتي لتغيير النظام في البلاد"، حسبما تنقل تقارير غربية متخصصة في متابعة الشأن الإيراني.

هذا النشاط استنفر الشرطة الإلكترونية الإيرانية المتخصصة في ملاحقة نشاطات الإنرنت والرقابة، وصدرت عدة بلاغات تحذيرية من أي نشاطات مخالفة، الجمعة بموازاة المناظرة الثالثة، لكن تلك التحذيرات لم تكن ذات تأثير، حيث تصدر هاشتاغ "المناظرة الثالثة" باللغة الفارسية موقع "تويتر"، والذي بعد ساعات من نشاطه تصدر لائحة المواضيع الأكثر رواجاً على المستوى العالمي لفترة قصيرة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها