الإثنين 2017/05/15

آخر تحديث: 14:14 (بيروت)

ماكرون رئيساً: يتحدى التقليد لكنه لا يكسره

الإثنين 2017/05/15
ماكرون رئيساً: يتحدى التقليد لكنه لا يكسره
كسر التقاليد بالتوجه إلى ضريح الجندي المجهول في سيارة عسكرية.. وغابت زوجته مراعاة لصورة هولاند (غيتي)
increase حجم الخط decrease
ابتداء من اليوم سيتعين على الرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون، مواجهة التحديات التي تنتظره خلال السنوات الخمس المقبلة على كل الأصعدة؛ الداخلية، الاقتصادية، الأمنية، الأوروبية والدولية. أما مراسم التنصيب التي جرت الأحد، وامتدت طوال النهار، فكانت إيذاناً بانتهاء "شهر العسل" الذي عرفه ماكرون طوال الأسبوعين الماضيين.


منذ الثامنة صباحاً تمتع الفرنسيون بتغطية خاصة وشاملة لمجريات النهار الخاص، إذ انتشرت الكاميرات في كل الأماكن التي كان مقرراً أن يتوجه إليها الرئيس المنتخب، إلى جانب مصورين على دراجات نارية لملاحقة ماكرون في كافة تنقلاته. وطبقاً للجدول، وصل ماكرون إلى قصر الإليزيه عند العاشرة صباحاً ووفقا للبروتوكول عقد خلوة مع سلفه فرنسوا هولاند.

وهنا استفادت محطات التلفزة من هاتين الساعتين لاستعراض المراسم مصحوباً بعدد من التقارير المصورة ومتابعة ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي. كما تناولت التغطية الخاصة القرارات التي سيتخذها ماكرون خلال الأيام المقبلة، وعلى رأسها تسمية رئيس الوزراء المقبل؛ فتساءلت وسائل الإعلام ما إذا كان ماكرون سيفصح عن هويته في يوم تنصيبه نفسه أم سيؤجل ذلك لوقت لاحق، وقد رجح معظمهم أن يكرس ماكرون يوم الأحد لمراسم التنصيب فقط، أي أن يكون يوماً رئاسياً تسلط الأضواء عليه حصراً، على أن يكون يوم الاثنين أول يوم عمل رسمي في عهده.


فريق عمل ماكرون أخذ بدوره حيزاً من النقاش التلفزيوني لا سيما من ناحية الطريقة التي سيدير فيها حلقته الضيقة وفريقه الحكومي، وذلك انطلاقاً من تحليل شخصية ماكرون من قبل مقربين منه. أمرٌ آخر كان محط تساؤلٍ إعلامي بارز وهي السيارة التي سيستخدمها، فالأمر يحمل رمزية مهمة، إذا يفترض بسيارة الرئيس أن تشكل واجهة لعالم صناعة السيارات الفرنسية مع الحرص ألا تكون فاخرةً لدرجة تستفزّ الرأي العام في هذه الظروف الاجتماعية الصعبة التي يئن تحتها الفرنسيون.

وكانت هناك محاولة يائسة لمعرفة ما يدور في الخلوة التي تعقد بين الرئيسين والتي يتم خلالها تناول "أسرار الدولة". أما أكثر ما شغل بال الإعلام الفرنسي، فهي طريقة تسلم الرئيس الجديد للرقم السري النووي وطبيعة هذا الرقم. فطرح المذيعون استفسارات كثيرة على عسكريين متقاعدين استضافتهم المحطات إلا أنهم رفضوا إعطاء أية تفاصيل حول ما إذا كان الرقم مكوناً من أحرف وأرقام أو إذا أصبح بيوميترياً، مكتفين بالتشديد على أن آلية استخدام الأسلحة النووية غاية في السرية من أجل ضمان أمن فرنسا.

الخلوة بين هولاند وماكرون كانت الأطول في تاريخ مراسم التنصيب إذ تجاوزت الساعة، وهي نقطة لفتت الأنظار. أمرٌ آخر كان ملفتاً وهو أن زوجة الرئيس المنتخب، بريجيت، لم تكن إلى جانبه لحظة دخوله القصر الرئاسي وعند توديعه لهولاند. وهذا قد لا يكون مستغرباً إذا ما استعرضنا المراسم السابقة، لكنه، هذه المرة، ترك انطباعاً مختلفاً. إذ اعتبر متابعون أن ماكرون وزوجته حرصا على عدم إحداث "خلل" في الصورة التي باتت "تقليدية" طوال عهد هولاند، إذ أنه ما من سيدة أولى رافقت هولاند منذ سنوات. مع التشديد على أن غياب بريجيت لا يعني أنها ستكون في خلفية المشهد السياسي والإعلامي بل على العكس، كان هناك إجماع إعلامي على حرصها أن تؤدي دورها كسيدة أولى، خصوصاً مع الدور المؤثر الذي لعبته خلال حملة زوجها الانتخابية.

بعد توديع هولاند، تم تنصيب ماكرون رسمياً رئيساً للبلاد ليلقي خطابه الرئاسي الأول الذي شدد فيه على سعيه لأن يستعيد الفرنسيون ثقتهم ببلدهم وبنظامهم. الحيز الأكبر من الخطاب خصصه ماكرون لموقع بلاده على الساحة الدولية والأوروبية سواء من ناحية القيم التي تحملها فرنسا أو لضرورة العمل على نشر السلام، أما الأبرز في هذا الخصوص فكان تأكيده على ضرورة تفعيل الشراكة الأوروبية لتوفير الأمن الاجتماعي والاقتصادي للأوروبيين. التركيز على أوروبا والعالم في خطابه هو امتدادٌ لحملته الانتخابية لا سيما بعد الدور الأول حيث اعتبر ماكرون أن الانقسام السياسي الفرنسي بين اليمين واليسار أصبح من الماضي وأن الشرخ بات بين أنصار الشراكة الأوروبية وأعدائها، ما يعكس نظرته للاتحاد الأوروبي، إذ يرى فيه أداةً يمكن أن تشكل رافعةً لفرنسا حتى تتجاوز تخبطها الاقتصادي.

من جانب آخر، حمل خطابه بُعداً تصالحياً، إذ سعى لأن يتوجه من خلاله، إلى عموم الفرنسيين، وهو أمرٌ كان جلياً في طبيعة المدعوين والحضور في حفل التنصيب. كما خص ماكرون في خطابه كل أسلافه بكلمة حملت اعترافاً بجهودهم وإنجازاتهم على عكس خطاب هولاند الذي تناسى فيه ذكر الرئيس نيكولا ساركوزي.

ولهذه اللفتة تفسيرٌ خاص، إذ أنه منذ انطلاق الحملة الانتخابية كان الإعلام يشبه ماكرون على الدوام بهذا الرئيس أو ذاك، فتارةً شبّهه بشارل ديغول على اعتبار أن الرجلين يفتقدان لماكينة حزبية تدعمهما ضمن سياق سياسي متشابه. وتارةً أخرى بفاليري جيسكار ديستان والصورة العصرية - الشبابية، وطوراً بفرانسوا هولاند الذي يعود إليه الفضل في دخول ماكرون عالم السياسة، وهو ما دفع لوبان لأن تصف ماكرون بأنه امتداد لعهد هولاند. كما امتدت المقارنات لتشبّه ماكرون بالرئيس الأسبق فرانسوا ميتران بعد توجه ماكرون لإلقاء خطابه في متحف اللوفر عقب فوزه، ودخوله المتحف الشهير بمفرده، ليس بإخراج تلفزيوني شبيه جداً بالطريقة التي توجه فيها ميتران إلى مبنى Panthéon عقب تنصيبه العام 1981، بل على وقع الموسيقى نفسها: نشيد الفرح.


وبهذا، يبدو أن ماكرون أراد أن يكرس أولاً صورته كرئيس يحمل روحاً جديدةً لفرنسا من دون القطع مع تاريخ الجمهورية الخامسة ومؤسساتها، وثانياً رغب أن يطبع في أذهان الفرنسيين شخصيته الرئاسية المستقلة حتى يتوقفوا عن تشبيهه بهذا الرئيس أو ذاك، كما أراد أن يجمع حوله كل الفرنسيين.

وحتى انتهاء المراسم الرسمية في الإليزيه، لم يكن ماكرون قد ترك أي بصمةٍ خاصة به طوال النهار، لكنه فعلها حين توجه إلى ضريح الجندي المجهول في سيارة عسكرية وليس في سيارة خاصة، ما عكس رسالة إعلامية مفادها أنه يولي اهتماما بالغاً بأداء دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة، خصوصاً وأنه استكملها بزيارة إحدى المستشفيات العسكرية للاطمئنان على ثلاثة جرحى أرسلوا إلى مالي وأفغانستان، زيارة غابت عنها التغطية الإعلامية، كما سيستكملها الأسبوع الجاري بزيارة الجنود الفرنسيين في مالي.


بعدها كانت الزيارة البروتوكولية لمبنى بلدية باريس، وقد أولاها الإعلام أهمية كبيرة، لأكثر من سبب: فعُمدة باريس، آن إيدالغو، هي عضو في الحزب الاشتراكي وكانت من أنصار مرشح حزبها بنوا هامون، كما حصلت مشادات كلامية بين إيدالغو وحملة ماكرون الرئاسية، وأخيراً لأنه مع اطلاقها حركة سياسية جديدة إلى جانب اشتراكيين آخرين، تداول الإعلام أنها تسعى لمنع تمدد أنصار ماكرون في باريس، على بعد ثلاث سنوات من الانتخابات البلدية المقبلة. أما البعض الآخر فذهب أبعد من ذلك في تحليله، ليتطرق إلى نية إيدالغو الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. لذا، توقع الكثيرون أن يتفادى ماكرون وإيدالغو في خلوتهما أي مواضيع خلافية، مع ترجيح أن يطغى ملف ترشيح باريس للألعاب الأولمبية العام 2024 على لقائهما الأول.

إلى ذلك، فإن التحدي الأول الذي ينتظر ماكرون هو الانتخابات النيابية التي ستجري في حزيران/يونيو المقبل، فمن دون غالبية نيابية لن يتمكن الرئيس الجديد من تشكيل حكومة حليفة له كي يضع برنامجه موضع التطبيق. فالأحزاب السياسية، لا سيما حزب الجمهوريين، تراهن على الظفر بالغالبية النيابية، لتُمسك بالسلطة التنفيذية وتُجبر الرئيس الجديد على التعايش مع حكومة من لون سياسي مختلفٍ عنه، كما أن فرضية تشكيل ماكرون لائتلاف حكومي، وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية، تبقى واردة، وهو ما سيكون سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها