الإثنين 2017/05/15

آخر تحديث: 16:13 (بيروت)

"وحدة النمر".. اللعب ضد الممانعة

الإثنين 2017/05/15
increase حجم الخط decrease
المتنقل في دنيا الألعاب الإلكترونية المعربة، يلاحظ حظوة النمط الحربي عليها، ذلك، أن الشركة الأكثر نشاطاً في تعريب ألعابها، التي تتمحور حول المغامرات القتالية، هي "كوما غايم" الأميركية. وآخر هذه الألعاب كانت لعبة "وحدة النمر"، التي تلاقي رواجاً في العالم الناطق باللغة العربية، ومرد هذا الرواج، أن متنها المشهدي يتصل بالواقعات الراهنة في الشرق الأوسط، مثلما أن برمجتها تقوم بالتدخل في هذه الواقعات ايضاً.


إذ أن هذه اللعبة تسرد، والسرد، هنا مرادف للعب، قصة "الوحدة" العسكرية الخاصة، التي أسستها "الجامعة العربية"، أو الدول المؤثرة فيها، من أجل التصدي لكل عمل، يحسب محور الممانعة، بالاضافة الى التطرف الجهادي، أنه يستطيع الإقدام عليه. بالتالي، يختار اللاعب شخصية من "الوحدة"، وهي تتألف من خمسة أعضاء، يكونها، ويمضي إلى الميدان، الذي قد يقع في العراق، أو سوريا، أو فلسطين المحتلة، أو مصر، أو لبنان، وغيرها، مواجهاً عناصر ذلك المحور، من الجيش الإيراني وميليشياته، والبعثي الأسدي، عدا عن "داعش"، و"حماس" أيضاً. فمن الممكن لهذا اللاعب أن يشترك في كل الصراعات الدائرة في ما يسمى، وبكلية اختزالية، "المنطقة"، مبعداً أي عدو عنها.

على أنه، وبسبب انتشار اللعبة، وبغاية المضاعفة منه، تحولت "وحدة النمر" إلى مسلسل كارتوني، وهذا يعني أن اللعبة صارت تسير من تلقائها، مستعرضةً وقائعها على حلقات عدة، كل واحدة منها تحمل عنواناً معيناً. ومعظم هذه الحلقات تتسم بكونها قصيرة الوقت، أما، محتواها، فمن ناحية تركيبه البصري، فهو بطيء، ومن ناحية تركيبه القصصي، بروباغندي بامتياز. لكن، الملفت للانتباه في تلك الحلقات هو أنها تستدعي بشخوصها وجوه وملامح موجودة في عالم السياسة، وشقه العسكري تحديداً، لا سيما المرتبط بمحور الممانعة، فيقع المشاهد على شبيه قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، كما يقع على "الداعشي" الشهير شاكر وهيب أيضاً.

وفي السياق عينه، تستدعي اللعبة في حوارتها الكوميكية اللكنات العربية المحلية، بالإضافة إلى قواميسها المتعلقة بكيفيات النظر إلى محور الممانعة وأنظمته وجيوشه وميليشياته. هذا، ولا تغيب المقولات الخطابية عن الحوارات، فقد يعمد أحد "نمور الوحدة" إلى الكلام عن التعايش المسلم والمسيحي، أو الأخوة المعقودة بين السنة والشيعة، داعياً إلى تبديد أي صراع "بين العرب". فـ"النمور"، كما يقدمهم المسلسل، يتصفون بالصلابة والحنكة والنخوة والهيبة، ما يجعلهم "الأبطال" الذين يشاكلون، وبطريقة كاريكاتورية، فانتاسم "الفارس العربي" من جهة، وفانتاسم "القوة الخاصة" التي تضع حداً لكل إجرام "بحق العرب"، من جهة أخرى.

فعلياً، أحد أسباب رواج المسلسل، وقبله، لعبته، أنه يخاطب مشاهديه/لاعبيه، بما هو مفقود في حقيقتهم المتصلة بواقع "منطقتهم"، أي أنه يرنو الى سد فجوتها عبر الافتراض، وذلك، ليس من خلال الاستناد الى الواقعات فقط، بل من خلال إحراز المبتغى منها، تماماً كما في إحدى الحلقات، التي يسقط نظام السفاح بشار الأسد خلالها. فكل ما لا يجري في الحقيقة، يجري في اللعبة، وذلك، على أساس خطابي، يجاور، وفي الوقت نفسه، بين الحرب والدعوة الى السلام، فأحد "النمور" يقول في اثناء قتاله:"متى تنتهي كل هذه الحروب؟".

لا شك ان مقصد "وحدة النمر" أن يلعبها معارضو محور الممانعة، ولا شك أنها تنجح في استقطابهم،  ذلك، قبل أن تدرج معارضتهم في سياق آخر، مفاده أن "العرب" أخيار، والباقي أشرار، و بـ"العرب"، تعني الأنظمة، التي يسعى مقاتليها في عدد من الحلقات إلى الدفاع عنها. انها لعبة اللاممانعة ضد الممانعة، لكن، كل هذا، لا ينفي بدائيتها، ولا يلغي، وبالبعيد عن محمولها السياسي الواضح، أن جسمها الإلكتروني هزيل.

وفي المحصلة، ومع "وحدة النمر"، يغدو للصراعات في "المنطقة" افتراضها اللعبي، فبعد ألعاب الممانعة، وألعاب "داعش"، صار للاممانعة لعبتها ايضاً، وأن تصير تلك الصراعات لعبة، فهذا يشير، عدا عن الهدف الدعائي والتجنيدي منها، إلى أن عنفاً شديداً مازالت "المنطقة"، مثلما يسميها "نمورها"، في حاجة إلى تصريفه، وإنتاجه على حد سواء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها