الجمعة 2017/05/12

آخر تحديث: 16:07 (بيروت)

"النهار": "إدفع تقرأ" ولكن..

الجمعة 2017/05/12
"النهار": "إدفع تقرأ" ولكن..
increase حجم الخط decrease
بعد شح وانقطاع حنفية التمويل اللبناني والاقليمي والدولي "التقليدي" (أو السياسي)، اختارت جريدة "النهار"، القراءة المدفوعة كمصدر للتمويل، وهذا تحدٍ جديد لأعرق جريدة في لبنان مهددة بالإقفال القسري والتلاشي وسط الفوضى، رغم رمزيتها وتاريخها وارتباطاتها واعتبارها أحد "ركائز ثقافة لبنان" الى جانب فيروز وجبران وميشال شيحا وغيرهم... ويصعب الآن الحكم على تجربة "ادفع تقرأ" أو "لقراءة هذا الخبر، اشترك في النهار premium بـ1 دولار في الشهر الأول"، ويصعب التكهن بمصائرها في بلد يتشكل من أجسام طائفية وحزبية وفساد ووسائل اعلام قائمة على التحريض والشائعات والبلبلة، وكل طائفة تقرأ في عصبيتها وكتابها وجريدتها، وفي محيط قائم على والقرصنة بدءاً من المواقع الالكترونية التي تسرق المقالات والتحقيقات، مروراً بتزوير الكتب ونسخها ونشر الأغاني الجديدة والقديمة في المواقع المجانية من دون الرجوع إلى أصحابها...

مؤسسة "النهار"، بحسب المعلومات المتداولة، كانت أمام خيارين: إما إقفال الصحيفة وصرف عشرات الموظفين، أو البحث عن مصدر جديد للتمويل. وهي اختارت الثاني، وهذا لا يعني أن الأزمة حُلّت أو أنها في طريق الحل، ولا يعني أن الموظفين ضمنوا مستقبلهم، فالأمر يحتاج الكثير من الصبر كي تتبلور الأمور وتسلك مسارها وتدرس نتائجها، والعملية ليست بهذه السهولة أو هي أشبه بمتاهة غير واضحة المعالم. لكن لا بدّ من التجريب طالما أن الخيارات محدودة... على أن الموقع الإلكتروني "للنهار" ما زال متاحاً مجانا أمام الجميع، وتعرض سابقاً لانتقادات شديدة، بسبب تضمنه الكثير من الاخبار الجنسية والركيكة، تردد انها تنشر بضغط من المعلن الذي يبحث عن الأكثر قراءة، والجديد في الموقع ان هناك حزمة من الأخبار والمواضيع والتحقيقات الخاصة أصبحت ضمن خدمة جديدة ومدفوعة سلفا من قبل القارئ مقابل 6 دولارات أميركية شهرياً أو 60 دولاراً في السنة...

ما فعلته جريدة "النهار" ليس جديداً على مستوى العالم، فمعظم الصحف الكبرى في البلدان الأوروبية والأميركية، لجأت الى القراءة المدفوعة كبديل عن تراجع شراء الصحف الورقية، وكمفتاح للاستمرارية والبقاء... في لبنان والعالم العربي تبدو تجربة الخبر المدفوع خجولة وضحلة (باستنثاء "لوموند دبلوماتيك" العربية التي اقفلت ومجلة "بدايات" الفصلية وغيرهما) ولعلها "غريبة" للوهلة الأولى أو صعبة وشاقة، ووجه الغرابة ان الجمهور لم يعتد الدفع الانترنتي. قد يقول: لماذا أدفع لجريدة طالما أن الجرائد الاخرى مجانية ومتاحة للجميع، حتى وإن كان المبلغ رمزياً؟ لماذا أدفع طالما أني اتابع معظم الاخبار عبر شاشات التلفزة والهواتف و"فايسبوك" و"تويتر" والوكالات؟

تبرر بعض الأقلام في "النهار"، القراءة المدفوعة، بأن الجريدة لا تقدم أخباراً موثوقة فحسب، بل مقالات وتحليلات أيضاً، وهذا قد يكون مقنعاً وقد لا يكون، طالما أن القراءة في لبنان قائمة على التحزّب وحتى التشهير والاغتيال الرمزي، وفي بلد باتت وسائل الاعلام فيه بلا حسيب او رقيب، إذ يتحول خيال إحدى الصحف الضحلة، مصدراً للمواقع الانترنتية والحزبية. ولم تلجأ غالبية المطبوعات والمواقع العربية الى القراءة مدفوعة الأجر لتحصيل مداخيل، عوضاً عن مبيعات الصحف أو التمويل السياسي، وعوضا أيضاً عن أموال الاعلانات التي أصيبت بانهيار جسيم... بالطبع لأن معظم الصحف العربية شبه تابعة للدول أو لجهات سياسية نافذة، ولا تبتكر أدنى وسيلة لتحدي أزمة الإعلام الورقي، ولا تبرهن عن اي استقلالية.

تقول المعلومات الواردة من جريدة "النهار" أن النسخة الورقية ستستمر، والتجربة الجديدة القائمة على القراءة مدفوعة الأجر، جيدة حتى الآن، وهناك كم كبير من اتصالات المواطنين الذين يسألون عن طرق الاشتراك وطريقة الدفع. وتقول مصادر الجريدة أن التجربة أثّرت في نسبة القراءة و"الترافيك"، لكن، ما زال من المبكر الحكم على هذه التجربة، فهي ما زالت في البداية وتحتاج وقتاً، وتسعى إدارة الجريدة الى تطوير التجربة وترويجها وتسويقها... وينتظر أن تعقد مؤتمراً صحافياً لشرح تفاصيل الخطوات المرتقبة، سواء في شكل الموقع الالكتروني وتصميمه، أو الوسائط التي ستضاف اليه...

على أن تجربة "النهار" الجديدة، تجعلنا نطرح الكثير من الأسئلة عن الواقع والطموح والأحلام في بلد صغير مثل لبنان... أين وعود وزير الإعلام اللبناني بدعم المطبوعات؟ هل يمكن للقراءة المدفوعة تأمين المداخيل اللازمة لاستمرارية "النهار"؟ ومن هو جمهور "النهار" اليوم؟ وهل حافظت على جمهورها القديم أم تشتت في زمن "فايسبوك" والمتغيرات السياسية؟ وإذا كانت المؤسسات الإعلامية في أميركا، حيث تعداد السكان بمئات الملايين، تلجأ الى القراءة المدفوعة، فهل يمكن للبنان، الذي لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين، أن ينقذ جريدة من خلال الخبر المدفوع والمشتركين؟ هل هناك نسبة قراءة من خارج لبنان، وهل يبدي هؤلاء استعداداً لدفع ثمن القراءة؟ وما المواد والأخبار المميزة والخاصة التي يمكن ان تقدمها "النهار" فتجعل القارئ يقصدها؟ "السفير" اختارت أن تستريح بسبب الأزمة المالية، فهل ستختار الصحف المأزومة الأخرى، نظام القراءة المدفوعة؟ وماذا عن الإعلام المرئي؟ هل تنجح تجربة "النهار" بمعزل عن تنظيم شامل للإعلام اللبناني؟!!!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها