الجمعة 2017/04/07

آخر تحديث: 16:30 (بيروت)

"ابو إيفانكا ترامب"

الجمعة 2017/04/07
"ابو إيفانكا ترامب"
increase حجم الخط decrease
من الطبيعي جداً أن يتحول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى "بطل" في الشرق الأوسط، فتحركه الحاسم لضرب النظام السوري رداً على مجزرة الكيماوي الشنيعة في بلدة خان شيخون، جعلت صورته تنقلب رأساً على عقب في مواقع التواصل الاجتماعي، نحو بطل للعدالة ومخلص قادر على رسم البسمة على الوجوه، بفعل الحرب العادلة، بعدما كان أقرب إلى شيطان يستهدف إبادة العرب والمسلمين أو عميل خفي لروسيا أو مجنون يريد تدمير العالم.


هذه الحالة من البهجة الطاغية ليست حباً بالحرب نفسها، ولا ترحيباً بالقصف على بلد عربي، ولا تعبيراً عن نزعة دموية تحبذ العنف ولا فاشية عدمية تستبشر ببداية حرب عالمية تنهي الوجود. كل ما في الأمر أنه فرح عفوي خلقه النظام السوري بيديه، بسبب استمرار جرائمه لست سنوات كاملة من دون أن يوقفه أحد، وصولاً إلى مجزرة خان شيخون التي أحدثت غضباً يولده تتالي الشعور بالعجز. لو حدثت الضربة قبل 15 عاماً مثلاً، بعيد حرب العراق، ومن دون السياق الحالي لها، لكانت ردة الفعل العامة مختلفة تماماً من دون شك.

وكانت العفوية بارزة في التفاعل العام مع #الضربة_الأمريكية، سواء بتذييل صورة ترامب بكلمة "منحبك"، على طريقة الموالين للنظام السوري في تمجيد بشار الأسد، أو بإطلاق تسميات شعبوية عليه مثل "أبو إيفانكا ترامب" أو "أبو عمر ترامب"، وكلها تسميات يستمدها الخيال الشعبي من شعبوية ترامب من جهة، ومن كراهية شديدة لعنف النظام السوري وجرائمه، لتصبح تلك التسميات مزدوجة في سخريتها من النظام السوري وابتهاجها بالضربة الموجهة له، وليس تعبيراً حرفياً عن تنصيب ترامب ديكتاتوراً عسكرياً بتمجيده عبر مواقع التواصل بتلك الشعارات.

يذكر هذا الانقلاب الدراماتيكي بانقلاب صورة الشرير "البطريق"، عدو باتمان الأزلي، في سلسلة "غوثام" الشهيرة، بعد سلسلة من الحوادث التي تهز المدينة في الموسم الثالث بسبب الوحوش التي يطلقها "دكتور سترينج" طوال الموسم في أنحاء المدينة. تحرُّك البطريق لصد تلك الوحوش جعله يحظى بشعبية واسعة بين الناس الذين ضاق ذرعهم من تفشي الشر، لدرجة ينسون معها كل فظائع البطريق السابقة وينصبونه عمدة للمدينة، تماماً مثلما تجاوزت التعليقات قرارات ترامب بمنع المهاجرين من سبع دول ذات غالبية إسلامية من دخول الولايات المتحدة، والتي شكلت ذروة العداء الشعبي له في المنطقة.

والحال أن المشهد السوري المعقد نفسه كان سبباً في دفع التفاعل مع الضربة الأميركية ليأخذ هذا الشكل، إضافة لعدم تأكد أحد إن كانت الضربة رداً أميركياً لمرة واحدة ولن يتكرر في المستقبل بسبب الردع الروسي الحليف للنظام، أم أنه مؤشر لحقبة جديدة من توازن القوى يدفع نحو حل سياسي في النهاية، أم أن الأمر كله متعلق بشؤون ترامب المحلية وإثبات على تمايزه عن سلفه باراك أوباما الذي كان أول من هاجمه ترامب بعد خان شيخون. علماً أن طرح كل تلك التساؤلات كان مشروطاً بعدم الاهتمام بتقديم إجابات، أمام الشعور الذي تولده الضربة، خصوصاً بعدما انتشرت الصور الأولى لمطار الشعيرات الذي دمر بالكامل.

تحرُّك الموالين للنظام السوري ومحور الممانعة، لم يستطع إيقاف ذلك المد، لأن الحجج الكلاسيكية التي تم استخدامها في الجدال مع الطرف الآخر، مثل عداء أميركا للعرب والمسلمين واللعب على وتر القومية العربية البائدة ونظريات المؤامرة التقليدية والأهداف الخفية للضربة الأميركية بعد كل هذه السنوات من مجازر الأسد في البلاد بدت كلها وكأنها خطابات رسمية في ذكرى تأسيس حزب البعث... الذي يصادف اليوم! وليست تعليقات على الضربة الأميركية نفسها، هذا التباين حول "مركز الانتباه" بقي عائقاً دون خلق حوار في "فايسبوك" و"تويتر" على حد سواء.

وتجب الإشارة هنا، أنه بعد انقضاء ساعات المباغتة الأولى التي أحدثتها الضربة، بدا أن التهليل العام لها يحاول تشكيل سياق أكثر عمقاً لنفسه، لكنه رغم ذلك بقي متركزاً كشعور تنقله التغريدات والمنشورات أكثر من كونه حمل أفكاراً حول أهداف الضربة ورسائلها السياسية التي تكفلت وسائل الإعلام أصلاً بعرضها من كافة وجهات النظر.

وهنا بدأت عوامل جديدة تظهر في الصورة العامة، فالتهليل لترامب يقتضي بالضرورة الحديث عن تطور الدور الأميركي في سوريا، الذي تميز باللامبالاة السياسية من قبل الرئيس السابق باراك أوباما، الذي أحجم في اللحظات الأخيرة عن توجيه ضربة عسكرية مماثلة للنظام العام 2013 بعد استخدامه الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية حينها. انعكس ذلك في مواقع التواصل بعبارات مثل "هلأ صار فينا نقول يلعن روحك يا أوباما"، وهو تحوير لشعار معارض شهير آخر "يلعن روحك يا حافظ"، ثم القول أن تدخلاً عسكرياً من واشنطن حينها كان سيغير كل شيء في سوريا بما في ذلك التدخل الروسي لصالح النظام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها