الجمعة 2017/04/07

آخر تحديث: 14:24 (بيروت)

بَوح المصريات يعرّي دولة الذكور المسلمين

الجمعة 2017/04/07
بَوح المصريات يعرّي دولة الذكور المسلمين
increase حجم الخط decrease
"فيلم رعب"... هذا هو التعليق الأكثر انتشاراً في تتبع هاشتاغ #أول_محاولة_تحرش_كان_عمري، حيث تسرد الإناث في مصر تفاصيل شديدة القسوة والعنف عمّا تعرضن ويتعرضن له. الهاشتاغ لم يقتصر على توثيق التجربة الأولى للانتهاك الجسدي، بل امتد لفتح باب حكايات تكشف بشاعة لا يمكن أن تظل حبيسة الثرثرة الإلكترونية.


تفجر الهاشتاغ بعد واقعة التحرش الجماعي في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، قبل أكثر من أسبوع، وبعدما انصب اهتمام الشارع المصري على حادثة اغتصاب طفلة رضيعة وإحالة مغتصبها سريعاً إلى المحكمة. أما التحرش الجماعي، رغم بشاعته، فصار من غرامات العيش في مصر، وحدثاً سنوياً "متوقعاً" في الأعياد. لكن اغتصاب الطفلة حرك مشاعر الواقعات في أسر هذه الجريمة اليومية.

أثارت حادثة الاغتصاب البشعة في بادئ الأمر، نقاشاً حامياً حول جدوى عقوبة الإعدام، وانقسمت الآراء بحدة بين مطالب بإعدام المغتصب وجدوى هذه العقوبة في ردع أمثاله، في مقابل آخرين يرفضون العقوبة بشكل مبدئي، وتفكيك مقولة "إنها عقوبة رادعة" بشواهد عملية وقانونية. لكن هذا النقاش ما لبث أن توارى بسرعة وراء حكايات "أول محاولة تحرش".

تظلم اللغة، بشاعة الوقائع المحكية، بشدة، في ضمها تحت جناح "التحرش"، إذ أن السرديات، التي يجمع بين غالبيتها صغر سنّ أبطالها/بطلاتها، وصلة القرابة التي تربطهم/هن بالمعتدين، تجعل "التحرش" كلمة لا تفي الوقائع حقها. ولعل إدراك حجم المشكلة يبدأ بتسميتها باسمها، وهو "اعتداء" جنسي وجسدي، خصوصاً أن معظم الكلام المنطوي ضمن الهاشتاغ يحكي عما يقترب من حادثة اغتصاب الرضيعة، مشمولاً برعب الضحايا من الفضيحة أو بمقدار العقوبة من الأهل والأقارب!

وكما لا يمكن اختزال هذه الجرائم في مفردة "تحرش"، لا يمكن أيضاً أن تُختزل النقاشات حول أسباب تفشي هذه البشاعات، في الكبت الجنسي، والإغراء المحتمل من البنات في ملبسهن وسلوكهن في المجال العام.

لا ترى السلطة هذه الوقائع وخطورتها على المجتمع طالما أنها ليست علنية، بل إن الاستهانة بحجم الجريمة وصل إلى درجة أن قاضي مغتصب الطفلة في جلسة محاكمته أمس، قال في معرض نقاشه "من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر.. الرحمة يا ناس كلنا ممكن نضعف ونخطئ"، وهو ما أثار غضب المتابعين مشدودي الأعصاب في انتظار حكم يليق بالجريمة. كلام القاضي المستهين يقول الكثير عن كيفية تعامل الدولة مع كارثة كهذه باستخفاف، إذ لا يريد أن يرى حجمها.

وتتجلى المفارقة في إحالة جامعة السويس، للدكتورة منى البرنس، إلى التحقيق قبل أيام، بسبب فيديو نشرته في صفحتها الشخصية في "فايسبوك" وهي ترقص، وذلك إيذاناً بمعاقبتها. رأت الجامعة في تصرف الدكتورة، تناقضاً مع أخلاق أعضاء هيئة التدريس. هذه المفارقة الأخلاقية هي جوهر التعاطي السلطوي مع مفهوم الأخلاق، فهي كل ما يناسب الذَّكَر المسلم المؤيد للدولة، طالما أن أخطاءه وخطاياه تحدث في السر، أما العلن فلا بد أن يظل "نقياً".

تمارس الدولة تحرشها القانوني، عبر مؤسستها التعليمية، على أستاذة جامعية قررت أن تمارس حريتها من دون أن تلتفت للصورة النمطية للأستاذ الجامعي. فيما تغض الطرف عن التحرش اليومي والاعتداء الجسدي المستمر على البنات، منذ الطفولة، طالما أنه لم ينكشف، وفي هذا العوار تستمر الدولة كمستعمَرة عفَن يثمر في الظلام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها