الأربعاء 2017/04/05

آخر تحديث: 14:45 (بيروت)

ترامب نجم التغطية العالمية لمجزرة خان شيخون

الأربعاء 2017/04/05
ترامب نجم التغطية العالمية لمجزرة خان شيخون
قناة "آي بي سي" الأميركية عنونت تقريرها: "البيت الأبيض يلوم إدارة أوباما إثر هجوم يُعتقد بأنه كيماوي في سوريا"
increase حجم الخط decrease
كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نجم التغطية العالمية المكثفة التي واكبت الهجوم الكيماوي المروع الذي شنه النظام السوري على مدينة خان شيخون بريف إدلب الثلاثاء. وخلف وهج ترامب، رجل الاستعراض المتمرس، تلاشت وجوه الضحايا من الأطفال والمدنيين الذين تجاوز عددهم المئة، ومُوّهت أسماء القتلة ومجرمي الحرب، من بشار الأسد إلى فلاديمير بوتين، وبات الحدث كله يدور حول الرجل الغريب الساكن في البيت الأبيض.


واستطاع ترامب القيام بذلك، عبر 44 كلمة فقط، خصصها لبيانه المقتضب المؤلف من 70 كلمة فقط، حول الهجوم الكيماوي، فهاجم الرئيس السابق باراك أوباما كمتسبب في الجريمة النكراء في إدلب بسبب فشل سياسة "الخط الأحمر" الشهيرة العام 2013 على خلفية الهجوم الكيماوي الأول للنظام في الغوطة الشرقية. وذلك بدلاً من التنديد بالنظام السوري التي تظهر الأدلة أنه المسؤول عن المجزرة التي وصفتها صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها بأنها مستوى جديد من السفالة والانحطاط حتى بالنسبة إلى شخص ساقط كالأسد.


هذا التشويش الذي قام به ترامب ليس جديداً، بل هي استراتيجيته منذ وصوله إلى البيت الأبيض، لكنها كانت محصورة في الشأن الداخلي مع اتخفاض شعبيته إلى أدنى مستوى في التاريخ بالنسبة إلى رئيس جديد، وتكاتف الإعلام المعارض له في جبهة موحدة ضده، ما خلق له فضائح متتالية. وكان، كل مرة، ينجح في إبعاد الأنظار عنه إلى قضايا جانبية مثل حرية الإعلام، عندما منع أبرز الصحف المعارضة من حضور مؤتمراته الصحافية، ما أبعد الأنظار عن فضيحة تسريب المعلومات ضده من قبل مكتب التحقيقات الأميركي حول علاقته بروسيا، أو قضية تضارب الصلاحيات بين مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ) بتسريبه معلومات بشكل أحادي مع دايفن نونيس رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، ما أفقد التحقيقات في الشأن الروسي مصداقيتها بالمجمل.

لكن انتقال ترامب في سياسته هذه، إلى الشأن الدولي، مؤشر خطير، خصوصاً عندما يكون التشويش لصالح النظام السوري في سياساته الوحشية، التي علقت عليها صحيفة "واشنطن بوست" في افتتاحيتها بأنه في عالم ترامب من المسموح استخدام الأسلحة الكيماوية بشكل طبيعي. وعندما تضاف روسيا، كحليف أساسي للنظام السوري وطرف في المعادلة، مع الاتهامات المتزايدة في واشنطن حول علاقات ترامب الاقتصادية والسياسية بالكرملين الذي قرصن، بشكل شبه مؤكد، الانتخابات الرئاسية الماضية لمصلحة ترامب، يصبح الوضع مخيفاً وكأن ترامب ينفذ أجندة روسية في البيت الأبيض، لا أكثر.

سياسة ذر الرماد في العيون هذه لا تكتمل من دون مساعدين أوفياء، وهو الشرط الأول الذي يحكم التعيينات في الإدارة الأميركية الجديدة. هؤلاء يعملون لإحداث توازن مع تصريحات ترامب، بتقديم تصريحات أكثر واقعية ودبلوماسية. وكان المساعد المختار لهذا الدور هذه المرة، هو وزير الخارجية ريكس تيليرسون، الذي وصفته "نيويورك تايمز" بأنه الشخص غير المرئي عادة في ما يخص السياسة الخارجية الأميركية، والذي لا يقدم تصريحات ولا يصوغ دبلوماسية قوية، وهو مقرب من الكرملين بحُكم عمله السابق كرئيس لشركة "إكسون موبيل" النفطية. وفوجئت الصحيفة بتصريح تيليرسون الذي دان الأسد بالاسم، مع لوم مماثل لروسيا وإيران، مع تحفظها على هشاشة التصريح واللاحسم الذي شاب لغته في مقابل فظاعة الجريمة، خصوصاً أن ترامب وتيليرسون لم يقدما أي مؤشرات لطبيعة التفاعل الأميركي الرسمي مع الحدث.

على الأغلب، لن تكون هناك أي استجابة إضافية، بل إن التصريحين هما الاستجابة في حدها الأقصى، والذي نجح في مهمته. فنظرة معمقة إلى أبرز ما كتب في الصحافة العالمية تبين تلك النتيجة الصادمة. افتتاحية "نيويورك تايمز" مثلاً خُصّص أكثر من نصفها للحديث عن تغير السياسة الخارجية الأميركية بشكل يزيح واشنطن عن دورها التقليدي كمروج وحامٍ لحقوق الإنسان بالمجمل، بموازاة تقرير مفصل لتفنيد بيان ترامب حول سوريا، من منطلق الصراع الحزبي المحلي. أما افتتاحية "واشنطن بوست"، فتحدثت بالكامل عن كون الهجوم الكيماوي اختباراً لترامب كرئيس حقيقي لدولة بحجم الولايات المتحدة.

تأثير ترامب لم ينحصر في الصحافة الأميركية، بل كان الحدث في الصحافة العالمية عموماً. فصحيفة "غارديان" البريطانية ركزت في افتتاحيتها على الدور الأميركي المهزوز تجاه الأسد، والذي أعطى النظام الجرأة للقيام بهجوم كيماوي هو الأسوأ منذ العام 2013، خصوصاً أن إدارة ترامب أكدت قبل أيام أنها لم تعد تعتبر رحيل الأسد أولوية على الإطلاق، في مقابل الأهمية التي توليها لهزيمة تنظيم "داعش"، كما خصصت مجلة "فورين بوليسي" تناولها للهجوم الكيماوي، للحديث بالكامل عن الدور الأميركي في سوريا في ظل ترامب، لافتة إلى أن البعثة الأميركية في الأمم المتحدة لم تعلق أبداً على الهجوم، في سابقة دبلوماسية خارجة عن المألوف.

ووسط المؤشرات السابقة، يصبح ترامب شريكاً في الجريمة، لا متستراً عليها فقط، إن صحت نظرية علاقته الوطيدة المثيرة للشكوك مع الكرملين. وقد يصبح الموقف أكثر وضوحاً بعد فترة قصيرة، حيث من المرجح أن يتم تناسي مجزرة خان شيخون بسرعة، من قبل الدبلوماسية العالمية، مع انطلاق معركة "تحرير الرقة" المرتقبة، والتي لم تقدم الإدارة الأميركية فيها أيضاً، أي استشراف لمرحلة ما بعد "داعش" في المدينة. وذلك، مع تحليلات في الصحف العالمية (فاينانشال تايمز، صوت أميركا، ...) ومراكز بحثية متخصصة في الدبلوماسية العالمية، تفيد بأن أياً من القوى لا يرغب في الحصول على المدينة، بما في ذلك واشنطن، لاختلاف المدينة العربية ذات الغالبية السنية، عن المكون الكردي الطاغي على قوات "سوريا الديموقراطية" المدعومة أميركياً، مع تقزيم الدور التركي وقوات المعارضة المعتدلة من قبل روسيا. ويقول السيناريو هنا بأن إدارة ترامب ستتنحى جانباً من أجل سيطرة نظام الأسد، حليفها الخفي، على المدينة من جديد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها