الثلاثاء 2017/04/04

آخر تحديث: 15:54 (بيروت)

خان شيخون: لا نشعر بالعجز.. بل نتذكّره

الثلاثاء 2017/04/04
خان شيخون: لا نشعر بالعجز.. بل نتذكّره
النظام يقصد انتشار الصور كبرهان لم يطلبه أحد على "جدّيته في مكافحة الإرهاب"
increase حجم الخط decrease
لا تحدث الصور المروعة لضحايا القصف الكيماوي الجديد الذي قام به النظام السوري في مدينة خان شيخون بريف إدلب، أثراً صادماً. فالصدمة تأتي فقط من المباغتة للمرة الأولى، بينما اعتاد المتابع للحرب السورية تتالي هذه المشاهد المؤلمة نفسها، في غياب قوة تردع نظام الأسد عن جرائمه على مر السنوات الست الماضية، والتي استخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، وتحديداً الكيماوية منها، في الغوطة الشرقية وسرمين ومناطق أخرى.


وبينما تخلق متابعة الصور الجديدة للمجزرة، شعوراً مبدئياً بأننا أمام ضخ لذكريات الحرب السورية المستمدة من مجازر سابقة، لأن حضور الموت البشع فيها واحد لا يتغير، تحيل المشاهدة الساكنة إلى تذكر الشعور بالعجز، وليس العجز نفسه الذي بات، بعد سبع سنوات من الحرب، شعوراً قديماً ومستهلكاً، لا سيما أن الغضب إثر التحديق في عيون أطفال قتلوا بدم بارد، لن يعيد لهم حياتهم، وذلك قبل الانشغال بمحتوى أكثر بهجة عبر الإنترنت بانتظار مجزرة جديدة. أما الفارق الوحيد في مجزرة اليوم، فهو عدم وجود ناجينن كطفلة مجزرة كيماوي الغوطة التي صرخت العام 2013 "عمو أنا عايشة".

وهنا، فإن أقصى ما يمكن فعله هو الاستهجان، أو الصراخ الإلكتروني عبر الهاشتاغات التي انتشرت بسرعة، #خان_شيخون_تختنق أو #الإرهاب_هو_بشار_الكيماوي. قد يكون ذلك أضعف الإيمان لدى كثيرين، رغم أن حملات سابقة مثل #سرمين_تختنق أو #كيماوي_الأسد اللتين تصدرتا المواضيع الرائجة في "تويتر" عالمياً، لم تأت بنتيجة. والدليل هو التصريحات الأميركية الأخيرة التي اعتبرت أن رحيل الأسد أو محاسبته على جرائم الحرب لم تعد أولوية للبيت الأبيض.

ومع اختلاف وجوه الضحايا وكثرتهم، لم يعد هناك وجه أيقوني جامع لفكرة الموت الجماعي في سوريا، خصوصاً أن ضحايا الغازات السامة والأسلحة الكيماوية يتشابهون في موتهم الهادئ الناتج عن الاختناق الداخلي والخالي من الدماء، مع أيديهم المرفوعة التي تطلب المساعدة من المجهول، حيث لا أحد على قيد الحياة ليساعدهم، بالمعنى الحرفي للكلمة وبالمعنى المجازي الأوسع الذي يشمل إيقاف الأسد عن ارتكاب المجزرة نفسها بقرار دولي لم يصدر، أو المجزرة اللاحقة التي ستحدث من دون شك في أي لحظة.

والحال أن النظام السوري بمجزرته الجديدة، لا يتحدى المجتمع الدولي ولا يريد إثبات قوته لأحد، ولا يقول أنه انفصل عن تبعيته في هذا النوع من القرار عن حلفائه وتحديداً روسيا التي تعتبر الضامن الأساسي لتصرفاته، في مرحلة التفاوضات السياسية الشكلية في جنيف والأستانة. وإن كان النظام يبدي نوعاً من الغطرسة بارتكاب مجزرة بهذا الحجم والكيفية، مستنداً إلى توافق مبكر تراه دمشق مع إدارة الرئيس دونالد ترامب حول "أولوية مكافحة الإرهاب"، وهو المصطلح الذي يبرر الإبادة الجماعية لعدم وجود ضبط دقيق له.

ويجب القول أن النظام بلا شك كان يدرك المدى الذي ستنتشر به صور المجزرة عبر الإعلام ووسائل التواصل، على المستويين العربي والعالمي، وهو كان يقصد ذلك الانتشار كبرهان لم يطلبه أحد على جديته في "مكافحة الإرهاب"، وكأنه يقول أنه لن يتوقف أبداً حتى يستعيد كامل أراضي البلاد.

وعليه تشكل المجزرة بصورها المروعة إعلاناً رسمياً لبداية سياسة الأرض المحروقة في إدلب، بعدما حولها النظام طوال العام الماضي إلى مكان محاصر ضيق يستقبل المهجرين قسراً من كافة مناطق المعارضة الأخرى، مع وصف جميع من فيها من مدنيين ومسلحين بالإرهابيين، مستفيداً من سيطرة حركات إسلامية مرتبطة بـ"القاعدة" على المدينة منذ العام 2013، كي يعمم تلك الصفة على كل كائن حي هناك بشكل يجعل جرائمه مبررة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها