الثلاثاء 2017/04/04

آخر تحديث: 18:52 (بيروت)

السيسي في أميركا.. والإعلام المصري يرقص!

الثلاثاء 2017/04/04
السيسي في أميركا.. والإعلام المصري يرقص!
increase حجم الخط decrease
رغم أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تكتسب أهمية بالغة لكونها الزيارة الرسمية الأولى له إلى واشنطن، والزيارة الخارجية الأهم لرئيس مصري منذ ثورة 25 يناير، فضلاً عن طبيعة العلاقة الحرجة بين الولايات المتحدة ومصر منذ انقلاب 30 يونيو، الذي أدى إلى قطع المساعدات العسكرية السنوية من قبل إدارة أوباما لمصر حتى أواخر العام 2015، إلا أن التغطية المحلية المواكبة لها أتت هزيلة وركزت على القشور، من دون الخوض في القضايا الإشكالية بين البلدين.

وأهملت التغطية الحديث عن أبرز الملفات التي تناولها الإعلام الأميركي مثلاً، بما في ذلك ملف حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب والمساعدات المالية لمصر في ظل موازنة ترامب التي تفرض تقليصاً لبرامج الدعم الخارجي في وزارة الخارجية. وملأ الإعلام المصري ذلك الفراغ بالتركيز على التفاصيل المشهدية، طوال ساعات البث وعبر صفحات الجرائد، فيما انصبت التغطية في المواقع الإلكترونية على الحفاوة التقليدية من قبل الجالية المصرية المأجورة في أي بلد يزوره السيسي على أنغام أغنية "يا حبيبتي يا مصر"، مضافاً إليها هذه المرة رقصة سعادة من الإعلامي أحمد موسى.


على سبيل المثال، عرض خيري رمضان في برنامج "آخر النهار" على شاشة قناة "النهار"، لقطات من لقاء ترامب والسيسي وأشار أن اللقاء يبدو إيجابياً. مضيفاً أن الصحف الأميركية أخذت موقفاً سلبياً من هذه الزيارة، من دون أن يعرض سبباً لهذا الهجوم من الإعلام الأميركي! وربما يكون لذلك صلة بتركيز الإعلام في الولايات المتحدة على ملف حقوق الإنسان المتدهور في مصر، والذي لا يرغب الإعلام المحلي بعرضه.

أما خالد صلاح، فقد قدم تغطية موجزة من واشنطن، موضحاً أن الصحافة والمواقع الأميركية تحدثت عن أن ترامب كسر بروتوكولاً مهماً لحضور بطولة للبيسبول، من أجل مقابلة السيسي، وأن ذلك لم يحدث منذ سنوات طويلة. وأضاف أن المناقشات تمت بين الوفود المشاركة من مصر والولايات المتحدة أيضاً، وليس بين ترامب والسيسي فقط، مؤكداً أن أكثر قضية تم الاتفاق التام عليها هي مكافحة الإرهاب.

وتابع صلاح أن مصادر من داخل اللقاء قالت أن الأجواء كانت إيجابية، وتم تفادي المناقشة في ملفات عديدة مثل ملف الديموقراطية وحقوق الإنسان، مشيراً إلى أن الإدارات الأميركية المختلفة اعتادت الضغط على الدول الأخرى في هذه الملفات، وهو ما لم يحدث خلال هذه الزيارة. أما عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة دار نشر "المصري اليوم" فأشاد بـ"الكيمياء" التي ظهرت بين السيسي وترامب.

هذا الانشغال بالحفاوة البروتوكولية، ومقارنة المصافحة الحارة بين الرئيسين، بفتور لقاء ترامب مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، احتل نصيباً كبيراً من الأخبار، وكأن الزيارة ليست سوى مقابلة بين صديقين حميمين، وباتت التغطية بذلك فنية أكثر من كونها سياسية أو اقتصادية بين رئيسي دولتين. هذا الانشغال بالتوافه، جعل الوكالات المصرية تخطئ في ترجمة كلمة ترامب في المؤتمر الصحافي الأول، حين أعلن الرئيس الأميركي زيادة الإنفاق على تسليح الجيش الأميركي، بينما أتت الترجمة بعقد اتفاق تسليح جديد أميركي - مصري، واستغرق الأمر ساعات كاملة لاكتشاف الخطاً وتصحيحه.

عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم يختلف شكل الاهتمام عن مثيله في الإعلام، حيث احتلت صورة السيسي في مكتب ترامب موضوعات النقاش، وكيف تخرق هذه الصورة البروتوكولات، و"رمزيتها" في إقرار تبعية مصر إلى الولايات المتحدة... كأنها حقيقة جديدة! أما مؤيدو السيسي، فركزوا على السلام الحار من قبل ترامب وحفاوته وطبيعة الصداقة التي تجمعه مع السيسي، وكيف أن ترامب قال "إنه يتطلع لعلاقة مميزة وطويلة الأمد مع السيسي" ليحولها المعارضون ساخرين إلى تأويلات جنسية.

وهكذا انصرف الجميع عن تأمل دلالات الزيارة وأهميتها، إلى رقصة مجازية طويلة مع الجالية المصرية التي تستقبل السيسي في واشنطن. أما الضحية الكبرى في كل ما يحدث من تغطية، فهو الجمهور المصري الواسع، الذي لا يمكن له التواصل مع وسائل الإعلام الأميركية، ولا يمكن بالتالي أن يعرف تفاصيل حقيقية خارج التهويل الخبري المصري وتفاهته، باعتماد شرائح واسعة من الجمهور على المركزية المصرية في الإعلام التي تغذي هذا النوع من الأوهام عبر استمرارية التضليل والتعتيم.

على الطرف الآخر، تصدرت العناوين المهمة الصحف الأميركية، التي قدمت دلالات هذه الزيارة سياسياً واقتصادياً بالنسبة للولايات المتحدة ومصر. حيت تمثل الزيارة اعترافاً عملياً ورسمياً من إدارة ترامب، بالسيسي رئيساَ شرعياً لمصر، بعد الانقلاب، بحسب صحيفة "يو إس توداي"، وذلك بعد إحجام غير خاف من طرف الإدارة السابقة عن ذلك. كما ذكرت "واشنطن بوست" أن مسؤولين في الإدارة الأميركية يعتبرون لقاء السيسي وترامب فرصة لإعادة الروابط بين البلدين والتحدث في مكافحة الإرهاب، في ظل الهجمات الإرهابية في سيناء خصوصاً. كما تسعى مصر للحصول على ضمانات بأن الولايات المتحدة ستواصل مساعداتها العسكرية والاستثمارات الأخرى، فضلاً عن ضم جماعة "الإخوان المسلمين" لقائمة المنظمات الإرهابية، وهي الخطوة التي طال انتظارها.

واتسعت تغطية وتحليلات صحيفة "نيويورك تايمز"، بين التركيز على أهمية الزيارة والحديث عن ملف حقوق الإنسان الذي لم يعد ذا أهمية بالنسبة للبيت الأبيض في ما يخص سياساته الخارجية الشرق أوسطية، بما في ذلك علاقته مع مصر، حتى لو تعلق الأمر بوجود مواطنين أميركيين معتقلين في السجون المصرية، لم تتم الإشارة إليهم من قبل ترامب على الإطلاق، ولا حتى تم استخدامهم كورقة ضغط مقابل المساعدات العسكرية للقاهرة. كما توقفت الصحيفة عند تصريح ترامب: "نحن نتفق على العديد من الأمور، أريد أن يعلم الجميع أنه لا شك في أننا وراء السيسي، إنه قام بعمل رائع، في وضع صعب للغاية"، وأكدت أن "فترة نبذ الولايات المتحدة لمصر انتهت، باستضافته السيسي، وتعهده بتقديم دعم غير محدود"، معتبرة أن الهاجس الأمني كان طاغياً بين الرئيسين. وهو أيضاً ما لفت مجلة "فورين بوليسي".

في ضوء ذلك، يطول الحديث عن الفوارق المهولة بين الإعلامين المصري والأميركي، على كل الأصعدة والوجوه. يمكن للبعض أن يتعلل بتفوق الأميركي لحجم رأس المال الهائل، ومساحة الحرية والحركة التي ينعم بها، في مقابل تكبيل رقابي حديدي مصري. غير أن هذه الفوارق ليست سبباً كافياً لانعدام المهنية في الإعلام المصري، والتي بانت بشكل فاضح مع الزيارة، إلا إن كانت اللامهنية تحقيقاً لأمنية السيسي نفسه، والتي أعلنها في بداية فترته الرئاسية "بأن يكون الإعلام ذا أجندة وطنية وعلى قلب رجل واحد"، هو الرئيس بالطبع.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها