الثلاثاء 2017/04/25

آخر تحديث: 18:51 (بيروت)

فيديو "مكمّلين".. الفضيحة تصطدم بالذاكرة المزدحمة

الثلاثاء 2017/04/25
فيديو "مكمّلين".. الفضيحة تصطدم بالذاكرة المزدحمة
الدولة لا تواجه "داعش" فحسب.. بل سبب وجودها ايضاً
increase حجم الخط decrease
تراهن الدولة المصرية هذه المرة على الذاكرة القصيرة. فقد مرّ أسبوع الآن على تسريب قناة "مكملين" الذي يوثق إعداماً قام به أفراد يرتدون الزي العسكري المصري، فيما ادعت أنهم ينتمون إلى تنظيم "داعش" - ولاية سيناء. 

بشاعة اللقطات المصورة وصدمتها، كانت السبب وراء انتشارها وتصدرها النقاش اليومي، على الرغم من زحمة الأحداث اليومية في مصر هذه الأيام، من إطلاق سراح آية حجازي، مروراً بشائعة قطع خدمات الاتصال عن الإنترنت، وصولاً إلى زيارة السيسي إلى المملكة العربية السعودية. كل الأحداث التالية تفتح شهية المجال العام للمتابعة. لكن الفيديو، ورغم مرور أسبوع، وذاكرة الاهتمام قصيرة المدة، يبقى لأنه يواجه المجتمع بما بقي من بنية الدولة المصرية واحتمال تحوله إلى ميليشيا ترتكب جريمة حرب.

الرهان على الذاكرة القصيرة، لم يمنع الدولة من الارتجالات الإعلامية الدعائية، كان آخرها، الفيديو الذي أنتجته الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، وأذاعته أمس على شبكة قنوات DMC المملوكة لرجل الأعمال الموالي لها أحمد أبو هشيمة. السبب الرسمي لعرض الفيديو هو عيد تحرير سيناء الموافق في 25 إبريل/نيسان. لكن الواضح من الفيديو أنه محاولة لخلق بروباغندا رسمية، ورد غير مباشر على التسريب الكارثي، بكليشيهات محفوظة ومكررة عن سيناء والأنبياء، وسيناء والحروب المصرية في القرن العشرين، وسيناء والسياحة، بالاعتماد على لقطات ومشاهد من أفلام الحرب المصرية، وأغنية "سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد".

هذه المرة لا تواجه الدولة "داعش"، ولا تواجه معارضيها الذين أخرستهم على مدار السنوات الثلاثة الماضية، بل إنها تواجه سبب وجودها، حيث إن صحّ ذلك الفعل الإجرامي، فهو ما يناقض فكرة الدولة ذاتها، أضف الى ذلك أنها تواجه دواعش سيناء بأسلوبهم ومنطقهم وأدواتهم، وتفقد أي احتمالية تعاون من أهالي سيناء في المنطقة المأزومة.

ما يزيد الأمر خطورة، التقريران الصادران عن "منظمة العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش" اللتين تؤكدان عبر مصادر محلية إن الفيديو صُوِّر في منطقة صحراوية تقع بين جنوب الشيخ زويد ومدينة رفح، وأن الواقعة حدثت في وقت ما بين شهري أكتوبر ونوفمبر 2016 في قرية التومة جنوب الشيخ زويد، التي كانت محل كثير من عمليات القوات المسلحة، مع دعوات بوقف للمساعدات العسكرية إلى مصر. التقريران لا يمكن أن يقدما مصر إلى المحكمة الدولية، لكنهما –إذا حدث- فإنهما يؤخذان في الاعتبار.

وعلى مدار جهود الإعلام المصري الذي انبرى لتبرئة الجيش، قدمت "اليوم السابع" دعماً وهمياً من خلال مرتادي "تويتر" عبر هاشتاغ #بكل_فخر_جيشنا_وبس، وذهبت الى تكذيب مطلق لما جاء في التسريب وتحليل لفبركته. أما أحمد موسى فقد ركز هجومه على قطر كما يفعل في مثل هذه المواقف.

القول بالفبركة إطلاقاً، قابله رأي مغاير يرى أن من حق الجيش استخدام كل الوسائل التي تضمن له فوزه في الحرب، خاصة وأن هؤلاء الدواعش لا أخلاق لهم، لكن هذا الرأي المتطرف لم يلق قبولا حتى في وسط أعتى مؤيدي الدولة على نطاق واسع، ربما لأنهم يعلمون جيداً عواقبه الأخلاقية والقانونية.

خلال ذلك الأسبوع، راهنت الدولة على ضعف الذاكرة من دون أن تواجه المشكلة الكارثية التي تقف وراء الفيديو، وإذا ما حُسم الأمر بثبوت ما جاء فيه من انتهاك، فكيف يمكن لمليارات الدولارات المهدورة على شبكات قنوات وصحف ومواقع إلكترونية ألا تكون قادرة على مجابهة أزمة مثل هذه والتعامي عنها؟ كيف لا يمكن لهذا الجيش الإعلامي الضخم أن يكون على مستوى كاف من الذكاء لتقديم منتج قادر على لفت الأنظار وتحريك الرأي العام قليلاً تجاهه؟

في النهاية، لا أحد يدفع الثمن مثلما يدفعه الشعب الذي حجبت عنه كل المعلومات الأساسية لما يحدث في سيناء، وليس أمامه إلا البيانات الرسمية السقيمة، أو الإعلام الداعشي الذي صار مصدراً أساسياً لأخبار سيناء خلال السنتين الماضيتين، وهو الذي يقول الكثير عن خطورة تعامل الدولة بعدم شفافية في المواجهة بسيناء. أو أخيراً بتسريبات من هنا أو هناك، تلقي قنبلة الفضيحة في الحياة اليومية المزدحمة ولا تذهب آثارها سريعاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها