ومن ناحية، قدمت الميديا الفرنسية ملاحقة مباشرة لذلك الاستحقاق، ومن ناحية متصلة، استطاعت أن تلقي الضوء على أبرز عناصره، التي من الممكن أن تقيم من خلالها مدى ديموقراطيته، بالتوازي مع اعتباره بمثابة "بيغ بانغ"سياسي، او "قفزة في الفراغ" على ما كتبت "Les Échos".
ثمة عنصران شددت عليهما وسائل الإعلام، أولهما، هو نسبة المشاركة في عملية الاقتراع، وثانيها، الوضع الأمني في أثناء العملية إياها، خصوصاً بعد الاعتداء الإرهابي الأخير على الشانزليزيه. فقد سجلت الميديا نسبة الاقتراع داخل البلاد وفي السفارات الفرنسية، مستعيدةً السابقة منها، ومستندة الى التوقعات التي نشرتها مراكز الاستطلاعات، والتي أصابت فيها، على عكس ما كانت حالها في انتخابات البيت الأبيض الأخيرة. مثلما عمدت الميديا إلى نشر هذه الخريطة التي كان بمقدور المواطنين أن يشيروا فيها إلى تعثر تصويتهم بسبب عدم إحتواء لوائح الشطب لأسمائهم.
وفي السياق عينه، لم تتباطأ الميديا في الكشف عن النتائج، بحيث أن جريدة "لوفيغارو" على سبيل المثال، فتحت خانة في موقعها تتيح للفرنسيين أن يقفوا على نتائج التصويت في مناطقهم، وذلك، عبر مراسلتها المباشرة. أما "ليبراسيون"، فكان بمثابة منصة لرصد كل التصريحات الشعبية حول الانتخابات، أكانت تحليلية، أو تشجيعية، أو ساخرة، كما أنها استرجعت أفضل المانشيتات التي أصدرتها خلال كل استحقاق رئاسي منذ العام 1974. كما واظبت الميديا، ومن وقت إلى آخر، على التذكير بالاختلاف بين المرشحين بخصوص قضايا عديدة، وأبرزها، نظام الحماية الاجتماعية، والإصلاح المؤسساتي، والهجرة، والاندماج، والسياسة الخارجية، وغيرها.
طبعاً، لم يغب التلفزيون الفرنسي عن الاستحقاق ، وبذلك، عمدت محطتا "فرانس2" و"فرانس إنفو"، وقبل ليلة من بدء التصويت، إلى تكريس هوائها بالكامل ومن دون توقف لعملية الاقتراع بمختلف جوانبها، ما دفع الباحثة إيزابيل ماسون إلى القول أن "التلفزيون عاد ليكون المسكّن الذي لا مهرب منه"، لا سيما أن الفرنسيين يأخذونه كوسيلة للتأكد من المعلومات الرائجة بكثرة في مواقع الإنترنت، وبالتالي، غدا الجهة الكفيلة بفرز تلك المعلومات بين حقيقية ومزيفة.
وفي هذا الإطار، نشر موقع "ozap" تقريراً، أشار فيه الى ترتيب التلفزيونات الفرنسية خلال المساء الانتخابي: في المقدمة، "فرانس2" بفقراتها السياسية وتابعها حوالي ستة مليون مشاهد، تلتها، محطة "TF1" بتغطياتها، ثم، "M6" ببثها لفيلم "The Avengers"، ومن بعدها، "فرانس3" التي عرضت مسلسل "Commissaire Magellan"، وفي المرتبة الرابعة محطة "Arte" التي كانت تعرض فيلم "la porte du paradis".
لكن، وعلى الرغم من كل حظوة الميديا التقليدية، إلا أن الضوضاء الكبرى حصلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث شارك الفرنسيون وغير الفرنسيين في الإدلاء بأصواتهم الافتراضية، معلّقين بطريقة لحظيّة على الانتخابات، لينال كل مرشح من المرشحين قسطاً من التعليقات، خصوصاً التهكمية منها.
فعندما حصل بنوا هامون، مرشح الحزب الإشتراكي، على 6% من الأصوات المقترِعة، نشر أحد المستخدمين تغريدة، مصوراً فيها زجاجة البيرة، مشيراً إلى أنها تحتوي على نسبة كحول أكثر من نسبة التصويت لذلك المرشح. أما، ماري لوبان، زعيمة "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة، فقد كانت لها الحصة الأكبر من التعليقات، بحيث انتشرت إحدى النكات حولها على نطاق واسع، حيث تقول:"سأكون رئيسة لكل فرنسا، أكانوا أصحاب بشرة بيضاء، أو شعر أشقر، أو عيون زرقاء!"، كما اشتهرت بكونها "رئيسة الذين لا يعرفون كيف يرقصون" أيضاً.
في المجال نفسه، سخر الفرنسيون من جان لوك ميلانشون، الذي ظهر مساءً، مشدداً على كونه لن يدلي بأي تصريح قبل ظهور النتائج الرسمية، في حين أن هذه النتائج كان قد انتشرت أصلاً: "ستبدأ الدورة الثانية، وسيستمر ميلونشون منتظراً لأنه لا يتابع تويتر". ولما فاز فرنسوا فيون، مرشح اليمين، بـ20% من الأصوات، انتشرت تعليقات تطالبه برد الأموال، التي حصل عليها نتيجة فضيحة التوظيف الوهمي، إلى الفرنسيين. ومن جهتهم، لم يغضّ المستخدمون أنظارهم عن المرشح إيمانويل ماكرون، زعيم "إلى الأمام"، بحيث علق أحدهم قائلاً أن "ماكرون سياسي منذ أقل من ستة أشهر، لم يقدم تقرير عمله بعد، ومع ذلك، من الممكن أن يصير رئيس للجمهورية".
من الممكن ملاحظة ان الإعلام الإنترنتي، بحيويته التعليقية المفرطة، وضع نفسه مقابل الإعلام التقليدي، ذلك، أن مستخدميه لم يدلوا بمواقفهم تجاه الانتخابات، كمحض عملية اقتراعية فقط، بل كعملية ميديوية أيضاً، بحيث أنهم صوبوا آراءهم نحو التلفزيونات والجرائد، عدا الراديوهات، كما لو أنهم شكلوا مرصداً لوقعاتها وعثراتها.
لكن، وفي الوقت نفسه، لا يعني ذلك أنهم كانوا بمعزل عن تلك العملية، بل إنهم يندرجون فيها، ويوفرون لها ما تحتاجه، أي الجلبة والتشويق. يبقى أن المفارقة، التي سجلها يوم الاستحقاق الرئاسي الفرنسي، هي أن الفرنسيين، وقبيل انتهاء الاستحقاق، تابعوا الميديا البلجيكية والسويسرية أكثر من الميديا المحلية، وذلك، لان القانون يمنع الأخيرة من نشر أي نتائج قبل إقفال آخر مركز اقتراع. ففي اللحظة القصوى للاستحقاق ، وبحسبما اشارت "لو باريسيان"، لم يكن الإعلام فرنسياً، بل العكس، تصدره كل من موقع "le soir"، ومحطة "RTBF"، اللذين شرعا في نشر النتائج مباشرةً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها