الجمعة 2017/04/21

آخر تحديث: 18:02 (بيروت)

الانتخابات البريطانية المبكرة: "سحق.. إبادة.. وانتقام"

الجمعة 2017/04/21
الانتخابات البريطانية المبكرة: "سحق.. إبادة.. وانتقام"
عنف رمزي في عناوين الصحف البريطانية الصدامية تجاه الدعوة للانتخابات (غيتي)
increase حجم الخط decrease

بعد عودتها من إجازة عيد الفصح الأخيرة، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بشكل مفاجئ الثلاثاء، عن عزمها دعوة البرلمان للتصويت على إجراء انتخابات عامة مبكرة في البلاد، في الثامن من شهر حزيران/يونيو القادم، وذلك بعد أن نفت تلك الإمكانية في خمس مناسبات مختلفة سابقاً. وفيما بررت ماي القرار برغبتها في التغلب على العراقيل التي تواجهها في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، بقولها: "البلاد متحدة في هذا الشأن، لكن ليس هذا حال البرلمان"، فإن تناول الصحافة البريطانية لإعلانها المفاجئ، واللغة الحادة التي سيطرت على عناوينها تكشف عن انقسام سياسي واسع، لا تبدو الانتخابات العامة السبيل لتخفيفه، إن لم تكن سبباً إضافياً لتعميقه.

خرجت "دايلي ميل" في صباح اليوم التالي، بعنوانها الرئيسي: "سحق المخربين"، وحتى لا يترك المحرر مجالاً للشك بخصوص هوية هؤلاء  الذين من الواجب سحقهم، فإن العنوان يضيف: "مؤيدي البقاء، وأعضاء مجلس اللوردات غير المنتخبين".

ولا يثير وصف الجريدة لـ 48% من الناخبين ممن صوتوا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي بالتخريب، ومعهم عدد من أعضاء مجلس اللوردات الذين صوتوا ضد قرارت الحكومة المتعلقة بمفاوضات الخروج مؤخراً، الكثير من الصدمة، فالجريدة ذاتها وصفت في وقت سابق، قضاة أعلى محكمة في البلاد بأنهم "أعداء الشعب"، عندما ألزموا الحكومة بطرح قرارها لبدء إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي على البرلمان. أما جريدة "صن" فلم تقلّ عناوينها حدّة: " القتل الأزرق"، مضيفة بأن الانتخابات المبكرة، "ستبيد حزب العمال"، و"تهشم نواب المحافظين المتمردين".

وفي مقابل مصطلحات القتل والإبادة والسحق والتهشيم، ووصف المعارضين لسياسة الحكومة بالتخريب أو التمرد، فإن الصحافة المعارضة بدورها لم تستخدم لغة أقل حدة وعنفاً. ففيما اتهمت "دايلي تليغراف" ماي، بتعمدها إلحاق الضرر بالمملكة المتحدة، "لتحقيق مصلحتها الشخصية، ومصلحة حزبها"، فإن "غارديان" ذهبت أبعد من ذلك، متهمة رئيسة الوزراء، "باستغلال الديموقراطية ضد الديموقراطية"، ومقارنتها بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كما اتهمت زعيم حزب العمال جيريمي كوربين، الذي رحب بالانتخابات المبكرة، "بمسارعته لتبني إبادة حزب العمال"، إضافة إلى دعوتها الشباب الذين "استهدفهم حزب المحافظين" بالذهاب إلي صناديق الانتخاب، و"الانتقام".

ومع أن كتّاب "غارديان" بدوا منقسمين حول الانتخابات المبكرة بين النظر إليها كفرصة للانتقام، أو انتحار سينتهي بالإبادة، فإن معظمهم اتفقوا على استخدام لغة شديدة الصدامية، والعنف كأقرانهم المؤيدين لحزب المحافظين.

بالطبع لم تخلُ الصحافة البريطانية من تحليلات متوازنة، وكذلك لا يمكن تحميل اللغة الحادة المستخدمة أكثر من معناها البلاغي، فدعوات "الانتقام"، لم تتضمن سوى الذهاب إلي صندوق الانتخابات، مثلها مثل "السحق" و"الإبادة" التي يبدو مجالها مقتصراً على نتيجة عملية التصويت، إلا أن تلك اللغة العنيفة، مع إقرارنا برمزيتها، تظل محملة بالدلالات، وجديرة بلفت الانتباه.

فكما يذكرنا ذلك العنف الرمزي بالطبيعة الصراعية للعمليات السياسية بوجه عام، في تأكيد على فهم الديموقراطية ومؤسساتها بوصفها تسامياً لحالة الحرب الدائمة في المجتمع، ورفعها من المستوى المادي إلي الرمزي، فإنه يكشف ذلك الانقسام العنيف في بريطانيا منذ نتيجة استفتاء الخروج، وحجم المقامرة التي طرحتها رئيسة الوزراء على الناخبين، وعصبية أطرافها الشديدة، وهي عصبية لا يمكن تفهّمها سوى بالإحاطة بأبعاد ما تسعى إليه ماي بالفعل.

فماي التي يتمتع حزبها بأغلبية كافية في مجلس العموم، لتمرير قرارات الحكومة بسهولة في مواجهة المعارضة، غير معنية بحزب العمال الذي لا يمثل إزعاجاً حقيقياً لها، بل تستهدف القضاء على أي معارضة لها من داخل حزبها نفسه. فالأغلبية البسيطة التي يتمتع بها حزب المحافظين في البرلمان، يمكن تعرضها للخطر بفعل تمرد عدد محدود (17 عضواً فقط) من داخل حزبها.

وهكذا فإن ماي، التي تطلب "تفويضاً" مطلقاً، لصالح "خطة الخروج" التي لا يعرفها أحد، اختلقت عدواً وهمياً، هو حزب "الديموقراطيين الأحرار"، الذي لامته أكثر من مرة خلال كلمتها الأخيرة على عرقلته مفاوضات "بريكست"، رغم أنه لا يمتلك سوى 9 مقاعد فقط في مجلس العموم، كي تبرر دعوتها للناخبين لمنحها تفويضاً، لا للحزب الحاكم، أو لخطة بعينها للخروج من أوروبا، بل لها شخصياً. حيث اتهمت ماي معارضيها من داخل حزبها وخارجه بالتورط  في"الألاعيب السياسية"، طارحة ضمانة وحيدة للسياسة الجادة أي إطلاق يدها بالكامل في مفاوضات الخروج، بشكل ينفي فكرة المعارضة تماماً بأن ذلك التفويض سيتمدد إلى بقية القضايا.

تبدو حظوظ ماي عالية لتحقيق طموحها، لكن المعركة التي بدأت للتو لا يمكن الجزم بنتائجها، فإما ستنضم ماي إلي فئة من الحكام "الأقوياء"، الذين يرون أن الحكم ممكن فقط، وأكثر كفاءة عبر تفويض كامل للسلطة بيدهم، بدءاً من فلاديمير بوتين مروراً برجب طيب أردوغان وليس انتهاء بدونالد ترامب، أو أن تفقد ماي رهانها، على خطى سابقها دايفد كاميرون، الذي خاطر باستفتاء الخروج، بدافع  للقضاء أيضاً على معارضةٍ داخلية، وتحقيق مكاسب انتخابية على حساب حزب الاستقلال، وانتهى الأمر بتقديم استقالته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها