الإثنين 2017/04/17

آخر تحديث: 17:31 (بيروت)

"النصر العظيم" يعمّ الإعلام التركي

الإثنين 2017/04/17
"النصر العظيم" يعمّ الإعلام التركي
غلاف صحيفة "صباح" الموالية لأردوغان: "ثورة الشعب" (غيتي)
increase حجم الخط decrease
الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، وحصد الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان صلاحيات رئاسية غير مسبوقة منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة العام 1923، بعد حصوله على تأييد نصف الأتراك في الاستفتاء الدستوري الذي شهدته البلاد أخيراً، أجمعت وسائل الإعلام التركية على وصفه بـ"النصر الكبير" في تماهٍ مباشر مع ما جاء في خطاب أردوغان عقب الفرز الأولي للأصوات، حين قال إن تركيا أنهت نقاشاً دام قرنين حول شكل الدولة، وإن نتائج الاستفتاء تؤكّد أن الأتراك نجحوا في أصعب مهمّة على الإطلاق.


الإعلام التركي الذي كثّف قبل أشهر من تاريخ الاستفتاء من حملاته ولهجته التصعيدية ضد المعارضين للتعديلات الدستورية في الداخل والخارج ومن يساندهم في الموقف والرؤية من دول أوروبية،  اعتبر أن النتائج التي أفضى إليها الاستفتاء الدستوري تشكّل أبلغ ردٍ على الحملات المعادية التي استهدفت تركيا ضمن محاولات مكشوفة لتقويض الديموقراطية التركية وكسر إرادة الشعب، والتي استدعت خوض أردوغان والحكومة معركة شاقّة ضد "معارضة مسلّحة مدعومة من أوروبا" والرد على "أكاذيبها ومحاولاتها تضليل الرأي العام التركي"، بحسب ما رأت الصحف الموالية التي خلصت إلى أن نتائج الاستفتاء تؤكّد نجاح الرئيس وحكومته في هذا المضمار.

على أن الفوز بالحد الأدنى الذي حققه أردوغان في استفتاء توسيع الصلاحيات، قابله ردّ من المعارضة التي اتهمته بالتزوير والتلاعب بالنتائج، معلنة نيتها تقديم طعون في نتيجة التصويت، ضمن ما وصفته وسائل إعلام معارضة أبرزها صحيفة "زمان"، الموالية للداعي التركي فتح الله غولن، بأنه بمثابة "فضيحة" إثر "انكشاف أمر احتساب الأظرف غير المختومة"، وذلك بموازاة الجدل الذي برز في مواقع التواصل حول الفارق البسيط بين نسبة الـ"نعم" والـ"لا"، والتي رأى كثيرون أنها لا تعكس حجم "الانتصار الكبير" الذي يتحدث عنه أردوغان ومواليه في السلطة والإعلام، ما استدعى كما العادة توحيد الجهود في الصحف والمنصات الإعلامية للرد على من تم وصفهم بأنهم "من يجب أن ينتابهم الخجل اليوم"، في إشارة إلى الأطراف المعارضة للتعديلات الدستورية وتلك المشككة بالنتائج.

"إنه نصر عظيم، لا تدعوا أحداً يعتّم عليه". يخاطب الكاتب التركي ابراهيم كاراغول الأتراك في مقال له في صحيفة "يني شفق"، معتبراً أن "تركيا صوتت لأهم تغيير في النظام في تاريخ الجمهورية"، وعليه "لا تدعوهم يسرقون نجاحكم. احذروا من أساليبهم وخدعهم النفسية. احتفلوا بالنجاح وتحضروا لخوض صراعات كبرى"، ليختم بالقول "النصر ينتمي إلى تركيا والخسارة لأوروبا". وهو ما روّجت له أيضاً صحيفة "دايلي صباح" بقولها إنّ نتائج الاستفتاء تحمل الكثير من التباشير لمستقبل تركيا، التي استطاعت أن تحقق التغيير الكبير بإرادة الشعب، ممن أدرك أهمية التعديلات الدستورية التي من شأنها إصلاح النظام والتي ستحلّ مختلف أزمات تركيا على أكثر من صعيد، بعدما وجد الأتراك أنفسهم محاطين بتهديدات المنظمات الارهابية وأزمات اللاجئين والدول المجاورة.

الفوز الذي حققه أردوغان في الاستفتاء حول توسيع صلاحياته، والذي سيجعل منه الرجل الأقوى في تاريخ تركيا الحديث، أتى كنتيجة متوقعة لوقوف السياسة والاعلام في خندق واحد لجهة التصدّي للمواقف المعارضة للتعديلات الدستورية، فيما يبدو أن الرجل نجح إلى حدٍ بعيد باستغلال أزماته وخلافاته مع الخصوم في الداخل والخارج، مترجماً إياها إلى أصوات مؤيدة في الصناديق، وذلك توازياً مع الدور البارز الذي لعبته وسائل الاعلام التركية الموالية في الأشهر الأخيرة لناحية الترويج للتصويت بـ"نعم"، وكانت التغطية التلفزيونية لهذه الحملة تزيد عشرات المرات عن تلك المعنية بالمعارضة، حسبما أفادت تقارير عديدة، ما جعل الجهات المعارضة تبحث عن منصات بديلة لنقل صوتها وموقفها في محاولة منها لخرق الحصار الاعلامي عليها والاستفادة من مواقع التواصل والوسائط الرقمية التي لا تطالها يد السلطة والتي استطاع أردوغان من خ0لالها بالذات النفاذ لمخاطبة مناصريه في لحظة الانقلاب وكان لظهوره من خلالها الفضل الأساس بإفشاله، واستتبعها عمليات التطهير التي نفذتها السلطات التركية بحق أكثر من 130 وسيلة إعلامية معارضة، وذلك عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي اتُهم بها فتح الله غولن وجماعته.

بذلك أتى التوقيت الذي تم فيه طرح عملية الاستفتاء ليكون مثالياً بالنسبة لاردوغان، والذي ما كان بالامكان أن يتم لصالح التصويت بـ"نعم" على الصلاحيات الرئاسية لولا انتصاره على خصومه الذين اجتث معظمهم بعد عملية الانقلاب الفاشلة، إلى جانب اللحظة السياسية الراهنة التي تشهد جفاءً شديداً بين تركيا ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي، ما جعل تأثير هذه الدول على المشهد التركي السياسي في أدنى تأثيراته، خصوصاً وأن أردوغان جيّر الهجومات التي شنّتها عليه بعض الدول الأوروبية لتبدو وكأنها هجوماً واستهدافاً على تركيا والأتراك قاطبة، الأمر الذي عزز الشعور بالالتفاف حوله باعتباره كرمز وطني وكرئيس يمثّل عزة وكرامة تركيا.

إلا أن الفارق الضئيل الذي أسفرت عنه نتيجة الاستفتاء، وبعيداً من أي ضوضاء إعلامي موال للحكم، فقد كشف الاستفتاء بأن أردوغان سيخطف السلطات والصلاحيات بأغلبية تكاد لا تُذكر، ما قد يُدخل البلاد في جدل سياسي وصراع حزبي محموم أقلّه على المدى القصير والمتوسط. ومع أن الاستفتاء على الصلاحيات الرئاسية قد لا يعبّر عن الشعبية التي يمتّع بها أردوغان وحزب العدالة والتنمية، والتي أتت نتائجها مبهرة في الانتخابات النيابية الأخيرة، أتى الاستفتاء الدستوري ليظهر أن الأغلبية التي صوتت بـ"نعم" للانتخابات النيابية قد انحاز كثير من أصواتها لتؤيّد الـ"لا" بإمساك أردوغان بمقاليد السلطة جميعها من خلال النظام الرئاسي الذي تم الاستفتاء عليه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها