الإثنين 2017/04/10

آخر تحديث: 18:34 (بيروت)

إعلان الطوارئ في مصر: القمع نفسه بغطاء تشريعي

الإثنين 2017/04/10
إعلان الطوارئ في مصر: القمع نفسه بغطاء تشريعي
قوات الأمن المصرية في الإسكندرية بعد تفجير الكنيسة المرقسية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
كان التوتر بادياً بوضوح على الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أكثر خطاباته ارتباكاً أمس، مع كلماته واتهاماته التي أرسلها يميناً وشمالاً، وتركيزه على لومه الأساسي على الإعلام، قبل أن يعلن عن حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وخلفه يقف أعضاء مجلس الأمن الوطني. فالحوادث الإرهابية في كنائس طنطا والاسكندرية، لم تجعل الدولة في مواجهة مع إشكالها الأمني، الذي يروج له الإعلام باعتباره "تقصيراً"، بل هو في الحقيقة عجز كامل عن أداء وظيفتها الأساسية، تزداد معه إجراءاتها القمعية الموجهة ناحية المواطنين، مقوضة أخيراً آخر مكتسبات الثورة التي فقدت تماماً، وهي إلغاء حالة الطوارئ.

بالنسبة إلى المتابعين، فإن التضييق على الحريات لم ولن يتأثر بإجراء شكلي مثل إعلان حالة الطوارئ هذه، خصوصاً مع مصادرة صُحف ومنع برامج وإعلاميين من الظهور خلال السنوات الأربع الماضية. لكن وتيرة هذا التضييق سترتفع إلى حدود غير مسبوقة، مع الغطاء القانوني الحالي. بل بدأت آثاره تظهر فوراً، الأحد، مع مصادرة السلطات لجريدة محسوبة على النظام هي "البوابة"، التي لم "تتجاوز الخطوط الحمراء" بالهجوم على الرئيس، لكنها ركزت هجومها على وزير الداخلية، مُطالبةً الرئيس بإقالته.


وكتب رئيس تحرير "البوابة" عبد الرحيم علي: "قتلوهم لأنهم أهلك يا سيادة الرئيس، لأنهم أحبوك.. لقد تجاوزَ وزيرُ الداخلية كل الخطوط، فما حدث بالأمس، وبكلمات واضحة صريحة، إهمالٌ أمنيٌّ جسيم، يستحق التوقف وإعادة النظر في المنظومة الأمنية كافة؛ إذ كيف يمكن لنا أن نتجاوز هذا العدد الكبير من الشهداء الذي سقط بالأمس من دون أي جريرة ارتكبوها سوى أنهم يؤيدون الرئيس عبدالفتاح السيسي ويقفون خلف الدولة المصرية؟".

يلاحظ هنا أن الجريدة تجدد فقط موقفها المنحاز تجاه رئيس الجمهورية، في حين أنها تهاجم وزير داخليته، أي أنها تستخدم أبجديات هامش الحرية المعمول به أيام حسني مبارك، وقت إعمال قانون الطوارئ السابق. علماً أن المصادرة في حد ذاتها، ليست أمراً جديداً على نظام السيسي، لكن أسبابه هذه المرة تنبئ بمزيد من التضييق واتساع قائمة المحظورات الإعلامية إلى مستوى غير مسبوق حتى في أعتى أيام السلطوية الناصرية.

وبعد المصادرة السريعة، أصدرت الجريدة بياناً قالت فيه: "قلنا كلمتنا بصراحة، واضعين أمن وسلامة الوطن أمام عيوننا؛ لكننا فوجئنا جميعاً بمصادرة العدد من الرقيب في المطبعة، مصادرة تحدث للمرة الأولى من عمر البوابة التي لطالما وقفت، وما زالت تقف، بشراسة ضد الإرهاب الأسود وأعوانه في الداخل والخارج". وذلك قبل أن تصدر العدد في نسخة إلكترونية.

والحال أن انتهاكات النظام في ما مضى، لم يرافقها غطاء قانوني تشريعي، ما كان يعطي فرصة "لمقاومتها" ولو بشكل محدود. أما مع إعلان الطوارئ الآن، فإن السلطة التنفيذية تعطي لنفسها صلاحية انتهاك الحق في الخصوصية وسرية المراسلات عبر مراقبة الرسائل البريدية بأمر كتابي أو شفهي من الحاكم العسكري، إضافة إلى انتهاك حرية الرأي والتعبير بممارسة الرقابة على الصحف والمطبوعات وإمكانية تعطيلها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، وفقاً للمادة الثالثة من القانون.

وتنص مادة قانون الطوارئ على أنه "لرئيس الجمهورية، متى أُعلنت حالة الطوارئ، أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير الآتية: وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور فى أماكن أو أوقات معينة، وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال.. الأمر بمراقبة الرسائل أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها".

ويرى أستاذ العلوم السياسية عمرو عبد الرحمن، في إعلان حالة الطوارئ، اسماً سياسياً للمرحلة التالية، ولا يعني ذلك بالضرورة تغييراً نوعياً في إجراءات القمع، لكن المؤكد أنه سيترتب على فرض الطوارئ منهج في التعامل مع أجهزة الدولة والمجال السياسي، المحدود والمحاصر، والمجال العام ككل قبل ذلك، وهو منهج كان سائداً من دون التعميد القانوني له، وملامحه هي إن مركز السلطة لا يقبع في برلمان ولا رئاسة ولا أجهزة، بقدر ما يتجسد في جماعة متغلبة تغزل تحالفاتها وتغيرها وتعدلها وتمارس سلطتها بلا أي كابح أو رقابة أو علانية، وتتخذ ما شاءت من إجراءات وقتما تشاء، ووفقاً لتقديرها الخاص. ما يجعل إعلان الطوارئ، ليس رسالة للإرهاب، بقدر ما هو رسالة للمجتمع بخصوص طبيعة العلاقة مع الجماعة الحاكمة.

ربما صدق السيسي في خطابه الأخير في فكرة واحدة، وهي تحري الدقة والصحة في المعلومات التي ينشرها الإعلام، خصوصاً بعد انتشار أخبار تسعى إلى "ترافيك" عن تفجيرات في أسوان وعدد من التفجيرات في الإسكندرية، ما جعل حالة الذعر تتضاعف فعلاً، خصوصاً أن تلك الأخبار كانت توصل صورة أكثر قتامة عن طبيعة الحوادث وأماكنها. والطامة الكبرى في التعاطي الإعلامي مع الحوادث المريعة، ليس فقط في البحث عن الإثارة بغرض حصد الزيارات، بقدر ما هي في استعادة لغة الوحدة الوطنية الممجوجة، بالتكريس الملحمي لعنصري الأمة، المسلمين والمسيحيين، والدين لله والوطن للجميع، وغيرها من شعارات المواطنة غير المعمول بها على أرض الواقع.

غير أن اللغة المستجدة كانت وما زالت منحازة ضد المسيحيين. وليس أدلّ على ذلك من خبر "تفكيك قنبلة في محيط مسجد"، والذي نشرته صحيفة "اليوم السابع"، وتلتها بقية البوابات الإخبارية، للتدليل على أن الإرهاب محدق بالجميع وليس المسيحيين فحسب. ثم حفاوة مضاعفة بـ"شهداء" الشرطة، إذ نُشرت أسماؤهم في الصحافة بعد ساعات قليلة على الحدث، ووعُمّمت الإشادة بالدور البطولي للداخلية.

الأيام المقبلة قد تشهد تضييقاً غير مسبوق، ومصادرات بالجملة لعدد كبير من الصحف، وإغلاق مواقع إخبارية، من دون أن يكون هناك من يقدر على الاعتراض لأن الوقت "وقت معركة". قال السيسي: "احنا نجحنا في سينا لذلك نقلوا المعركة في مكان تاني". ويمكن سؤال أهل سيناء المهجرين عن طبيعة الحياة تحت وطأة الطوارئ، طوال العامين الماضيين، وكيف زاد قمع الدولة لهم، لأن هذا هو مستقبل الحريات في مصر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها