الأربعاء 2017/03/08

آخر تحديث: 18:12 (بيروت)

إبراهيم عيسى "عدوّ الدولة" بين ليلة وضحاها

الأربعاء 2017/03/08
إبراهيم عيسى "عدوّ الدولة" بين ليلة وضحاها
الخوف من الإجراءات القانونية يستلزم الحذر أكثر من تأويلات الإجراءات سياسيا
increase حجم الخط decrease
 
 
لم يمر المانشيت الذي خرجت به جريدة "المقال" ساخرة من مجلس النواب المصري كما تمر عشرات المواقف الهزلية في المجال العام المصري. فـ"أوسكار أفضل فيلم كارتون لمجلس النواب" جرح التضخم الذاتي المزيف للبرلمان، مما جعلهم يحركون دعوى ضد الجريدة وإبراهيم عيسى رئيس تحريرها، ثم تحرك دعوى ثانية صارت من قوالب التصفية السياسية وهي "نشر أخبار كاذبة والإضرار بالاقتصاد المصري". وجد إبراهيم عيسى نفسه بين يوم وليلة عدواً للدولة بمؤسساتها.

عُرض عيسى على النيابة العامة للتحقيق معه بشأن التهمتين، وخرج بكفالة مالية قدرها خمسة آلاف جنيهات (280 دولارا تقريبا) على أن تعرض القضية لاحقا أمام المحكمة، أي أن إبراهيم عيسى الآن بسبب "إفيه" تصدر الصفحة الأولى أصبح مطلوبا للعدالة. والاحتمال ليس بعيدا أن يصدر بحقه حكم أقله الغرامة المالية وأقصاه الحبس لمدة ثلاث سنوات، بحسب ما صرح محاميه الأستاذ ناصر أمين.

البرلمان المصري خرج بتصريح بعد تبعات التحقيق مع عيسى ليقول إنه على استعداد للمصالحة بشرط تعهد "مكتوب" من قبل عيسى بعدم التعرض للبرلمان مرة أخرى، بل إن وكيل لجنة الإعلام بمجلس النواب (وأحد مهندسي قانون الإعلام الجديد) قال إن البرلمان لا يناصب الصحافيين والإعلاميين عداء بأي شكل، وأن المجلس ورئيسه ونوابه لا يبادرون لمحاربة قلم أو منبر إعلامي، لكن حينما يمتد الأمر إلى كل هذا القدر من الاستهزاء والتجاوز المتعمد، يجب أن تكون هناك وقفة، مؤكداً انحيازه إلى حرية الإعلام والنقد البناء وعدم إسكات أي صوت أو قلم. التناقض الذي تسير به الدولة بمؤسساتها منذ فترة طويلة، يتمثل في أن الحرية مقبولة طالما تسير على ضوابطها الخاصة.

عيسى نفسه مصرّ على التزام الصمت إزاء ما يحدث معه، حتى يرى كيفية سير الإجراءات القانونية، خصوصاً وأنها ليست المرة الأولى له، بل إن الدعوى ضده تحركت في الخامس من الشهر الجاري، أي في نفس التوقيت الذي حركت ضده دعوى وقت حكم مبارك بتهمة "إهانة الرئيس" وبنفس الكيفية والتفاصيل. الفارق الكبير بين الواقعتين هو أن مبارك لاقى تأييداً كبيراً ودعماً واسعاً من النخبة السياسية والثقافية في 2007، بينما انقسمت النخبة هذه المرة في ردود أفعالها تجاه القضية.

والحال إن الظرف السياسي الحالي، وإن تشابهت تفاصيل الواقعتين، يختلف اختلافاً جذرياً. فإبراهيم عيسى قبل الثورة ليس هو إبراهيم عيسى بعدها، خصوصاً في الوعي العام. بل إن الانقسام حول دعمه من عدمه مردّه الى الموقف من انحيازاته السياسية، خاصة بعد 30 يونيو ودعمه للسيسي في مواجهة الإخوان.

القطاع الرافض لتأييد عيسى، يقول إنه من رجالهم –أي النظام- وبالتالي لن يتعرض إلى مساءلة حقيقية، ولن يكون نتيجته عقوبة مقيّدة للحرية. بل إن المسألة برمتها قد تعتبر "تمثيلية" يريد النظام بها أن يشغل الرأي العام. ولو لم تكن كذلك فعيسى نفسه "باع القضية" منذ أن أيّد السيسي ووقف صامتاً أمام انتهاكات الحرية الواسعة ولم يحرك ساكناً في مواجهة المذابح.

وهذه الفئة تنسى أن هذا النظام نفسه لم يجد أي مشكلة في حبس إسلام البحيري والحكم على فاطمة ناعوت وفضح خالد يوسف وهم من رجالهم المؤيدين جذرياً. لأن هذا النظام لا يثق في من خرج من دوائر الثقة العسكرية، وكل من عداها هم قطع تُستخدم لغرض.

أما الفئة الداعمة لعيسى فترى أن هذه الدعوى هي تهديد جديد لكل صحافي وكل من يعمل بالعمل الإعلامي، أيا كان موقعه، وإذا كانت الدولة لا تدعم رجلها، فكيف الحال مع من يعارض بحدة أكبر، كما أن اختبار الحرية الحقيقي لا يكون بدعم من ينتمون إلى نفس المعسكر بقدر ما يكون للمختلفين. بتعبير آخر "الحرية لمن لا نحبه". وبتعبير محامي عيسى ناصر أمين: "الخوف من الإجراءات القانونية يستلزم الحذر أكثر من تأويلات الإجراءات سياسيا".

يصر عيسى على التزام الصمت وعدم إصدار أي تصريح صحافي حتى الآن، ربما ينتظر أن تمر الزوبعة على خير. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها