الإثنين 2017/03/06

آخر تحديث: 19:39 (بيروت)

التعري كتدبير للنجاة في الموصل

الإثنين 2017/03/06
increase حجم الخط decrease
لا قيود أمنية في المعارك. ولا مبررات. خطأ صغير من شأنه أن يقتل الابرياء. يدرك المدنيون ذلك جيداً. أولئك الفارون من بطش "داعش"، وصرامة إجراءاته الدينية التي تحول المدنيّ حكماً، الى متهم، بغياب "فلتر" أمني، يميّز المشتبه به، من المتورط. 
وسط الدمار في خراب الموصل، أتقن المدنيون صنعة النجاة. الملابس قد تكون شبهة واضحة، تؤدي للقتل، في ظل حشد من الانتحاريين الذين يتقنون "الحشمة"، ويخفون فيها ارهابهم.

لذلك، خلع أحدهم ملابسه مستسلماً أمام رجل أمن يصوّب بندقيته اليه. تعابير وجهه، تقول للجندي العراقي: "إنظر الى براءتي في عريّ جسدي". فالبراءة، مرتبطة بالعريّ في أحوال وجود شبهة "داعش". ومن غيرها، تُعالج الادانة المفترضة بالرصاص. 

بمعزل عن الظرف، تبدو الصورة مستفزة. يمكن أن يُقال إن الجندي، يمارس التعذيب الرمزي. الإذلال المعنويّ. مدنيّ، يُذل أمام جندي من أبناء بلده، يفترض أن يحرره من سطوة "داعش"، بذريعة الاجراءات الامنية، والترتيبات المتعلقة بالتعامل مع المشتبه بهم. فالافتراض واقع بأن كل مستتر، هو انتحاري. وعليه، يتعامل المدنيون في المقابل مع الظرف، بما تقتضيه الحاجة. 

خرج المدنيون في الصورة الاولى، عراة الصدر. قد ينقذهم العريّ من الرصاص الأكيد. ولاحقاً، كشفوا عما تبقى من مواضع شبهة في الجسد. أمام رجل الامن، الجسد مباح، لضرورات أمنية. ومن دونه، سيكون الرصاص مباحاً، للأسباب الامنية أيضاً. 

غير أن افتراض الإذلال، محكومة فقط بالاجتزاء. وهذا ما لا ينطبق على الصورة إلا اذا اقتُطعت من سياقها الكامل. ففي ألبوم الصور الذي نشرته وكالة "رويترز" اليوم، من قلب معركة الساحل الايمن في الموصل، ترد الصورة، الى جانب صور أخرى، إنسانية الطابع.

وعليه، تفترض الواقعية السياسية عدم اجتزائها. أو اخراج صور أخرى من السياق الانساني، أو الاذلالي. مثل صورة الطفل المصاب في رأسه، أو المعتقل من "داعش" المقيد أثناء رميه على ظهر شاحنة صغيرة. أو حتى صورة المتألمة، والطفل الهارب من حجيم القتال الى مناطق الامان الحكوميّ، كخطوة أولى، قبل ايداع الجميع في نقاط تجمع للنازحين. 

الالبوم، يتضمن مشاهد حية من المعركة. مشاهد القتال، والناجين. المعتقلون والفارون. رجل الامن المقاتل، واستراحة المحارب. الامان والبحث عنه. الوجل، والخوف، والقلق، والتوتر.. كل أحوال الموت والحياة، تتصارع في ألبوم واحد. وتقود الى حقيقة بأن التعري يُستخدم كتدبير للبقاء. أما الإدانة لسلوكيات القتال، فهي مؤجلة، ولا مناص من البحث عن تدريب انساني يوازي التدريب العسكري، لتعزيز أخلاقيات التعامل الامني في بؤرة الموت والانتحاريين. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها