السبت 2017/03/04

آخر تحديث: 16:51 (بيروت)

"النزعة الإنسانية" لأنجلينا جولي... وموتها

السبت 2017/03/04
"النزعة الإنسانية" لأنجلينا جولي... وموتها
increase حجم الخط decrease
أخيراً، أعلن المخرج التلفزيوني التركي أيوب ديرليك في تصريح له عن إتمام مرحلة التصوير لمسلسله الجديد "جسر الحياة" والذي سيكون في ثلاثة أجزاء يتحدث فيها عن قصة عائلة سورية لاجئة، وأن أنجلينا جولي ستلعب دور البطولة في هذا المسلسل إلى جانب نجم كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو. هذا وسيسلط المسلسل الضوء على معاناة اللاجئين السوريين في المنافي.

قد يبدو هذا المسلسل بأبطاله المختارين بدقة "إنسانونياً"، محل تقدير الأوساط العالمية المهتمة، لما يشكل من سبق في تسليط الضوء على مأساة تجاوزت بعمرها الستة أعوام. لكن بين ثنايا الحدث، هل هناك ما يستحق التوقف عنده قليلاً في تناول لتصرفات أنجلينا جولي اولاً، وفي ما يعني المسلسل ثانياً، وفي ما خصّ النزعة الانسانية التي لا تقتصر فقط على جولي بل تمس الجمعيات الرسمية وغير الرسمية والحركات والأشخاص الغربيين تحديداً إزاء اللاجئين السوريين والعراقيين وغيرهم؟ 

لسنا بصدد محاكمة نوايا هنا، لكنها محاولة لاستجلاء طبيعة النظرة التي ينظرها إلينا "الإنساني" في الغرب، في ظل الماكينة الإعلامية العالمية الضخمة التي نقع معاً ضحية لها.

لا شك ان هناك دوافع انسانية طيبة وراء عمل عدد من الناشطين الغربيين إزاء قضايا الشرق الأوسط، لكن من المعلوم ان الخطاب الفلسفي منذ نيتشه مرورا بهيدغر وليفي شتراوس، وصولاً إلى فوكو قد بشر بموت الانسان، أو قل على الدقة موت النزعة الإنسانية، على اعتبار أن الإنسان "اختراع حديث العهد، صورة لا يتجاوز عمرها المئتي سنة. إنه مجرد انعطاف في معرفتنا، وسيختفي عندما تتخذ المعرفة شكلاً جديدا" بحسب فوكو.

وبالطبع المقصود بالإنسان هو الانسان المدرك المسؤول، المالك لناصية أمره، والمحرك لتاريخه وماضيه وحاضره ومستقبله. إنسان الحقوق والواجبات، وقد صنعت هذا الإنسان ثقافة القرن التاسع عشر، وهذا الإنسان محكوم بالزوال مع تصدع الأوليات التي صنعته، والثقافة التي بنته، وهذا ما بدأنا نشهده في العقدين الأخيرين من عمر البشرية.

في ظل عالم لم تعد فيه بدائل حضارية تذكر عن الرأسمالية، وعن العولمة وثورة الاتصالات والتكنولوجيا يطرح السؤال: أين هو إنسان الحقوق والواجبات لاسيما في الشرق الاوسط؟ 
أليس هذا دليلاً واضحاً، على موت الانسان الذي بشر به هؤلاء الفلاسفة؟ من هنا أين يمكن وضع أعمال أنجلينا جولي الخيرية؟ 

لعله مع إحسان الظن التجذيف عكس التيار. فهي وأمثالها، لم تخرج عن إطار المؤسسات الحاكمة في العالم. ولم تتجاوز الخطوط الحمر في استنكارها لما يجري، كما حصل على سبيل المثال مع محمد علي كلاي وقضية مشاركته في حرب الفيتنام، ولو أن هذه القضية لها ظروفها المختلفة بالزمان والمكان والمعطيات. غاية الأمر أن جولي تسير بوتيرة واحدة مما يمليه عليها ضميرها "الإنساني" وفق ما يساير الموجة العامة التي يحيطها فيه الإعلام المعولم، ولو أنه يشهد لها أنها من القلة (من الشخصيات المعروفة) التي تقوم بهكذا أعمال.

ثم هناك إطار آخر للتناول، وهي نظرة الغربي لنا، وهي نظرة لا يختلف عليها اثنان إنها فوقية بنسب متفاوتة، ولها أسبابها التي نحن بالغنى عن الدخول في تفاصيلها. لكن من المعلوم أن المحرك الأساس لمجتمعاتنا على كافة الصعد يلعب فيه الغرب دورا أولياً مهماً، ونحن، كمتلقّين، غالباً ما  نتأثر ونتفاعل دون أن يكون لنا بدائل فعلية نركن إليها. 

من هنا، عندما تتحرك أنجلينا جولي وأشباهها باتجاه مجتمعاتنا الشرق أوسطية قد تلعب فيها عدة أحاسيس، منها الشفقة على أشخاص يعانون من عالم متوحش منمط وفق رؤيتها للأمور. 

وفي ظل تأفف بعض المواطنين في الدول المضيفة من الحمل الثقيل الذي يشكله النازحون، تظهر ملاك الرحمة أنجلينا جولي وهي تضم إلى صدرها أطفالاً لاجئين، في ثنائية قد تظهر للوهلة الأولى زيفنا، لكنها تحمل في طياتها أبعاداً أعمق ليس أقلها المعاناة الصرفة ومطاردة سبل العيش الكريم التي يعيشها الفاعل والمنفعل في مجتمعاتنا، في حين أن الزائر "الإنساني" لا يقضي إلا أياماً في ظل القسوة ليعود إلى جنته التي تركها في وطنه الأم.

والحال، لم تكتب هذه السطور لتدين أنجلينا جولي وغيرها، كما لا تهضم حقها الإنساني بالعمل وفق ما تراه مناسباً، أو تنوّه بأخلاقيتها من وراء هذه الأعمال. غاية الأمر هو تسليط الضوء على حالة خاصة لها بعداً عاماً، تستقطع جزءاً من آلامنا وطموحاتنا كسكان للشرق الأوسط.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها