الثلاثاء 2017/03/28

آخر تحديث: 18:50 (بيروت)

محجبة الـOTV

الثلاثاء 2017/03/28
محجبة الـOTV
اماني جحا تهزأ كأنها تسمّع درساً.. وتحاول ألا تخطئ فيه
increase حجم الخط decrease
منذ سنوات، راجت على المحطات المحلية في لبنان شخصية الهازئ، فكان ميشال ابو جودة، بدايةً، مجسدها في برنامج "حديث البلد". لاحقاً، لم تعد هذه الشخصية، التي تعلق بهزئها على الدائر من كلام حولها، على طرف المرأى الترفيهي للتلفزيون، بل انها صارت تقوم ببرامج خاصة بها، كـ"هيدا حكي"، الذي يقدمه عادل كرم على قناة "أم.تي.في"، أو "لهون وبس"، الذي يقدمه هشام حداد على قناة "أل.بي.سي"، وقبلهما، "شي.أن.أن"، الذي قدمه سلام زعتري مع فريقه على قناة "نيو.تي.في".
طبعاً، وبالتوازي مع شيوع الهازئ على الشاشة، بدأ يظهر في مجالات أخرى، كالسياسة، ووئام وهاب مثالاً، أو حتى في الاجتماع، حيث غالباً ما نصادفه في الساخرين، بنظرة اكتئابية، ونبرة عدمية، من كل شيء، معلنين لا جدواه المطلق. 

في النتيجة، غدت هذه الشخصية جماهيرية، بحيث ان برامجها هي الأكثر متابعةً، ما حمل القنوات الى ادخالها في برمجتها، بغية رفع نسب مشاهدتها. على هذا المنوال، عمدت قناة "او.تي.في" الى إطلاق برنامج "على ما يبدو"، الذي تقدمه أماني جحا، حاذيةً حذو زملائها في جعل الهزء سبيلاً الى التسلية.

ليس حجاب  جحا هو الباب الوحيد  الى التحديق في برنامجها، ذلك، ان هذا الباب هو الذي تريدنا المحطة البرتقالية ان ندخل منه، نظراً الى كونه، وبحسبها، مغاير لصورتها، باعتبارها قناة مسيحية، وعونية على وجه الدقة، الا ان مغايرته مضبوطة بنظرة فانتاسمية اليه، بحيث أن إظهاره في محله التهكمي دليل قاطع على هذا. 

فالمغاير بنسخته الهويتية، ومثلما تجده القناة بالتأكيد، هو، من ناحية هيئته،  "امرأة"، اي موضوع رغبة. الانجذاب الذكري الاستيهامي يشتد اكثر اليه  اذا كان شبه محجوب، وهو، ايضاً، من ناحية دوره، فم السخرية والناطق بها. فالمسلم، كما تظن القناة، هو المسلّي والملّهي، او المسلّية والملّهية تحديداً. 

على أن باب من أبواب التحديق في برنامج جحا هو اسمه، أي عبارة "على ما يبدو"، التي، وعندما يبدأ بها الحديث عادةً، تعني ان هذا الحديث يقوم بوصف البادي أمام العين، بدون ان يتحول الى حسم او بتّ: "على ما يبدو كذا"، اي أن الـ"كذا" ليس مجزوماً في أمره، بل ان الحديث حوله يبقى متردداً في يقينه. 

بالتالي، هزء البرنامج مؤلف على محمل الـ"على ما يبدو"، أي الوصف والتخمين والرجحان. فكل الـ"نقد"، الذي يوجهه الى قوى السلطة السياسية، هو نقد مشكوك فيه، وليس المتفرجون هم الذين لا يثقون به، بل قائله، او بالأحرى الناطق به، أي جحا اياها. في المحصلة، جحا تهزأ من ظواهر وحادثات البلد، لكن، هزأها هو هزء المرتاب من "صدق" فعله، كأنها، وعلى طول حلقاتها، تستفهم  عبر تعليقاته:هل أنا صائبة في ما أنطق به؟

لا تطرح جحا هذا الاستفهام على ذاتها من تلقائها، بل من تلقاء الكاميرا البرتقالية التي تلتقطها. وهنا، من الممكن التحديق في برنامجها من باب آخر، غير الحجاب والعنوان، وهو باب أدائها. ذلك، أنها، وفِي وقت تقديمها، يلاحظ المتفرج ميكانيكية معينة في اطلاطتها، وهذه الميكانيكية تنم عن حفظ لصورة وإلقائها. 

فجحا تهزأ كأنها تسمع درساً، وتحاول، بقدر إمكانها، ألا تخطئ فيه. لهذا، تضبط قامتها، وتتحرك صوب العدسة كأنها تلحقها، وتطلب منها ألا تشيح عنها، ففي حال حصل العكس، قد تعتقد بأنه إشارة الى كونها اقترفت غلطة ما.

يدور هزء جحا على نحو غير خفيف، خصوصاً أن اعداده الكلامي والبصري ثقيل، يرتكز على كليشيهات الإضحاك وشكاوى "النقد" اللبناني، الذي تسميه المحكية "النق". فضلاً عن اختيار مواضيع سائدة، بدون اضافة اي شكل كوميدي عليها. كل هذا، يجعل الهزء محكوماً بمضاده، بتوقير غير معلن، توجهه جحا الى الكاميرا أمامها، وتحاول تأديته، قبل أن تتكلم مع المتفرجين عليها. 

ثمة درس بسيط من دروس تقديم البرامج، وهو أن على الإعلامي ان ينظر الى الكاميرا كأنه ينظر مباشرةً الى المتفرج في منزله، لكن، جحا، لا تنظر اليه سوى عبر نظرتها الى الكاميرا، التي توقرها، ومن ثم، تمضي متعثرةً الى إمراحه. 

بهذه الطريقة، يصير هزأها مع المتفرج مسبوقاً بتوقيرها للكاميرا، وأحياناً، يكون مسبوقاً بتفخيم القناة وتعظيم رئيسها، ميشال عون. فجحا، وفي أثناء هزئها، تبجل الكاميرا وتفرط في اعطائها ما تطلبه منها، اذ إنها لا تصنع صورتها أمام الكاميرا، بل تؤدي صورة الكاميرا عنها، لذلك، قد تردد لها:"انا امرأة أتكلم كثيراً".

تؤدي جحا نظرة الـ"أو.تي. في" اليها. تسعى دائماً الى الانضباط بها، الى اثباتها عبر إدعائها، "انا محجبة الأو.تي.في"، ما يودي بهزئها الى نوع من التهكم الفاتر، الذي لا يبلغ غايته، أي التسلية. لكن، ما يهم، هنا، أن حتى اخفاقها في تأدية شخصية الهازئ، تنتفع منه القناة، بعد ان صنعته، بحيث أنها، وبعد ان عينت المغاير لها بوصفه مرفه متفرجيها ومسليهم، قد تجزم في أنه ليس جديراً بهذا المنصب حتى. 

وهذا ما يمكن ان تعطفه على كون ذلك المغاير (المسلمة المحجبة) لا يقدر الى الاتصال بالنظام الميديوي الراهن، الذي يتسم بالسخرية والاستهزاء. قد تخمن القناة بأنها حاولت ان توصل المغاير لها الى ذلك النظام. لكن، هذا المغاير لا يستطيع، ولهذا، تستبدله بالمماثل الهوياتي لها، وبذلك، تعود بلا "حجاب" يستر جلاء انغلاقها، الذي تضاعف منه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها