الأحد 2017/03/26

آخر تحديث: 16:16 (بيروت)

"الجزيرة بلس" ترتقي بالثقافة البصرية العربية لتصير الخامسة عالمياً

الأحد 2017/03/26
"الجزيرة بلس" ترتقي بالثقافة البصرية العربية لتصير الخامسة عالمياً
يحق للزميلة ديمة الخطيب أن ترفع الصوت عالياً بهذا الإنجاز وتفوق "الجزيرة بلس" على "سي إن إن" بمرتبتين
increase حجم الخط decrease
الأرجح أن الزميلة ديمة الخطيب التي تدير قناة "الجزيرة بلس" (+AJ) اختارت كلمات فائقة التواضع لتصف تلك القفزة النوعيّة التي سجّلها تلك القناة منذ بداية 2017، بأن حلّت لشهرين متتاليين في المرتبة الخامسة عالميّاً لأشرطة الفيديو الرقمية الأكثر مشاهدة في منصات السوشال ميديا في فئة الأخبار والسياسة، خصوصاً "فايسبوك".
واستطراداً، يوضح الأمر أن شاشات التلفزة في السوشال ميديا لم تعد مجرد خدمة مضافة، بل إن لغتها (أي أشرطة الفيديو) باتت هي أسلوب الخطاب وطريقة التواصل ووسيلة إيصال المحتوى إلى الجمهور. وفي الاتجاه الآخر من المشهد عينه، صار ملموساً أن الحضور الرقمي لشاشات التلفزة في منصّات السوشال ميديا تزحف بإضطراد لتحتل مكانة القلب في الخطاب الإعلامي المرئي- المسموع في الانترنت، وبما يعني أيضاً أنّه جزء متكامل من عملية مشاهدة الإعلام العام ومتابعته من قِبَل الجمهور.

من المستطاع الاستنتاج بأن موقع "يوتيوب" لم يعد مجرد أرشيف رقمي للمواد التلفزيونيّة، على الرغم من أهمية تلك الوظيفة التي لم تكن في الخيال قبل العصر الرقمي وشبكاته، بل صار أيضاً أساساً في صناعة الرأي العام في زمن صار فيه الفيديو هو الموازي المعاصر للكلمة في الاعلام التقليدي. وكذلك ليست مجازفة القول بأن تجربة "تيوبيولار لابس" Tubular Labs، تستأهل توقّفاً طويلاً عندها بعدما صارت جزءاً من المعايير الأساسيّة في تتبع الجمهور وعلاقاته مع الإعلام العام، في شقّه المتصل بالشبكات والسوشال ميديا وهي متداخلة تماماً مع بقية وسائط الاعلام.

مخاطبة العيون
على الرغم من أن صورة الفوز بالمرتبة الخامسة عالميّاً في تصنيف "تيوبيولار لابس" تحمل الأبعاد المتشابكة آنفة الذكر، اكتفت الزميلة الخطيب بكل تواضع أصيل، بشكر دنيس كروشيل، نائب رئيس شركة "تيوبيولار لابس" الذي زار الدوحة خصيصاً كي يسلّم مديرة فريق "الجزيرة بلس" جائزتها إثر صعود أشرطتها في السوشال ميديا إلى العشرة الأوائل عالميّاً خلال العام 2016. 

وأعربت الخطيب عن اعتزازها بالفريق الذي تقوده لأنه صار "ضمن أقوى فرق القنوات الرقمية في العالم، وأتشرف بتسلّم الجائزة نيابة عن كل فرد من أفراد الفريق في الولايات المتحدة وقطر والمكسيك، وهم من يستحقونها على مثابرتهم وشغفهم"، وفق كلمات الخطيب.

وفي بيان صحافي، ذكّرت "الجزيرة بلس" بأن "تيوبيولار لابس" تنشر تقويمات شهريّة وسنويّة عن مشاهدات أشرطة الفيديو في منصات الإنترنت، وخصوصاً السوشال ميديا. كما لفتت إلى أن "جزيرة بلس" حلّت أيضاً في المرتبة 19 عالميّاً بين ما يزيد على 31 ألف منصّة وناشر رقمي جرى تصنيفهم في قائمة "تيوبيولار لابس" عن المنصّات الرقميّة بأنواعها كافة وليس السوشال ميديا فقط، للعام 2016. 

ولأخذ فكرة عن الإنجاز، يكفي القول بأن قناة من وزن "سي إن إن" تاهت دلالاً وتفاخراً بأن حلّت في المرتبة السابعة في تصنيف "تيوبيولار لابس" لشهر شباط/فبراير عن فئة الأخبار والسياسة، وهو الشهر الذي حلّت فيه "الجزيرة بلس" في المرتبة الخامسة لتلك الفئة عينها. (يلاحظ أن موقع "سي إن إن" أورد تصنيفه في قائمة "تيوبيولار" متجنّباً الإشارة إلى أنّ "الجزيرة بلس" تقدّمت عليه بمرتبتين). 
وفي ما لم يعط البيان الصحافي للجزيرة أرقاماً تفصيليّة عن أعداد مشاهديه عالميّاً، إلا أن استنتاجها لا يبدو صعباً. إذ بلغ عدد مشاهدي أشرطة "سي إن إن" في منصّات السوشال ميديا لشهر شباط/فبراير2017، قرابة 470 مليوناً. ولأن القناة الأميركيّة حلّت في المرتبة السابعة، من المستطاع الاستنتاج من دون مجازفة كبرى بأن مشاهدي "الجزيرة بلس" ربما تجاوزوا النصف مليار مشاهد في ذلك الشهر عينه. ويعزّز ذلك الاستنتاج أنّ مشاهدي قناة "فوكس نيوز"، العزيزة على قلب الرئيس الشعبوي دونالد ترامب، حلّت في المرتبة الثامنة في الشهر عينه، وسجّلت قرابة 342 مليون مشاهدة، فيما نالت قناة "إم إس إن بي سي" (وهي واسعة المشاهدة في الداخل الأميركي) المرتبة 41، مسجّلةً 62 مليون مشاهدة.

عن تجربة "سي إن إن"
بترجمة تلك الأرقام، يمكن القول أنّه يحق للجزيرة أن ترفع الصوت عالياً للفت النظر إلى إنجازها، خصوصاً أن الوصول إلى جمهور عالمي معاصر عبر التقنيّة الأكثر تقدّماً في الإعلام البصري المعولم، ليس شيئاً هيّناً. إنّه ارتفاع أصيل بالخطاب البصري الإعلامي العربي إلى مستوى عالمي متطوّر، بل يتقدّم على قناة راسخة مثل "سي إن إن" التي لم تكف عن مخاطبة العيون منذ تأسيسها العام 1980. 

وفي المقابل، فمن باب الانصاف أيضاً أن نذكر بأن "سي إن إن" راكمت المليارات من أشرطة الفيديو (8.7 مليار شريط فيديو منذ 2007) في منصّات السوشال ميديا، قبل أن تغرغر بالقول بأن تصنيفها في قوائم "تيوبيولار لابس" يترجم المعنى العميق لقول مؤسّسها تيد تيرنر بأن "سي إن إن" أكثر من مجرد قناة تلفزة فضائية تشاهد بالكوابل. ترى أين تكون "الجزيرة بلس" إذا مرّ عليها زمن موازٍ لما عاشته "سي إن إن"؟ لعل السؤال غير ذي جدوى كبيرة لأن العقود التي سبقت تطوّر ممارسة الجمهور في مشاهدة أشرطة الفيديو الرقمية في الانترنت (وكذلك وضع أشرطة الأفراد في الشبكة عينها)، لا تندرج في تلك الحسابات. 

وفي المقابل، آن لقنوات التلفزة العربيّة أن تلتفت إلى تلك التصنيفات، التي تعني أنّ اهتمامها بإشارات الـ"لايك" والتغريدات والمشاركات وغيرها، لا تصلح معياراً لتقدمها في الإعلام المرئي- المسموع الذي صار يصح القول بأنّه بات مزيجاً من الرقمي في شبكة الانترنت، والمتلفز عبر البث الفضائي والأرضي. ولعله يجدر بأقنية التلفزة أن تتذكّر بأنها تعمل أساساً في الخطاب البصري، وأنها تخاطب العين بالصورة، ما يعني أن مؤشراً مثل "تيوبيولار لابس" هو أقرب إلى طبيعة العمل هذا. 

هناك استطراد واجب بالنسبة للصحافة أيضاً. أولاً، هي لا تعمل أساساً بالاستناد إلى الخطاب البصري، فالأرجح أن تصنيف "تيوبيولار لابس" لا يمسّها. في المقابل، لماذا تعطي تلك الصحافة أهمية كبيرة لنقرات "الإعجاب" والمشاركة في السوشال ميديا، فيما عملها الأساسي ليس من تلك الطبيعة؟ والأرجح أن ذلك ينطبق خصوصاً على صحافة الورق التي تملك مواقع إلكترونيّة. ويكفي تذكيرها بأن أزمة المصداقيّة التي تعانيها السوشال ميديا، منذ انتخاب ترامب رئيساً، رفعت من صدقية صحافة الورق وانتشارها في معظم الدول الغربيّة، خصوصاً الولايات المتحدة. الأرجح أن الصحافة العربيّة تحتاج إلى جرعة كبيرة من القهوة كي تدرس بعمق المؤشّرات التي تصلح لها في ظل تداخل الرقمي والورقي والمرئي- المسموع وغيره.

واستطراداً، ربما على الصحافة العربيّة أن تتأمل مليّاً في قدرة وسيط إعلامي عربي على الوصول إلى العالميّة في الانتشار، وفق ما توضح تجربة "الجزيرة بلس".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها