الأربعاء 2017/03/22

آخر تحديث: 12:52 (بيروت)

الإعلام اللبناني في ندوة "مهارات": لا جدوى من القوانين

الأربعاء 2017/03/22
الإعلام اللبناني في ندوة "مهارات": لا جدوى من القوانين
الإعلام اللبناني.. آفات ثلاث تعطّل عمله هي التبعية السياسية والتمويل والرايتنغ
increase حجم الخط decrease
في المقاربة بين المجال النظري لعمل المؤسسات الاعلامية، والتطبيق العملي في لبنان، لا بدّ من إعلان إحباط، ينتج بالدرجة الأولى عن يأس واضح لدى الصحافيين اللبنانيين بسبب عدم قدرتهم على إحداث تغيير فعلي في العقلية المديرة والناظمة لعمل المؤسسات الإعلامية في لبنان، وهو يأس محقّ بحكم الظروف المشغلة لهذه المؤسسات وطبيعة الدور المنوط بها من قبل الطرف المشغل.

هذا اليأس عبّرت عنه مجموعة من الصحافيين حاضرت في ورشة عمل دولية أقامتها مؤسسة "مهارات" بالتعاون مع "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" بعنوان "تجارب مقارنة من العالم حول دور الإعلام في تعزيز السلام والاستقرار الاجتماعي: أي تنظيم وأي نموذج".

ورشة العمل عرضت لنماذج أوروبية شرقية، قدمت تجربتها الحديثة مع الحرية بحكم تحولها أخيراً من الدكتاتورية الى الديموقراطية الناشئة، ونماذج أوروبية غربية رائدة في مجال التعبير والدفاع عن الحريات. تلاقت التجربتان في حتميتَي تأثير القوى الحاكمة في الإعلام، ومحاولته التملص من هذا التأثير، من دون فقدان مصادر تمويله بالدرجة الأولى، وتعارضتا في سبل وأشكال هذا التأثير.

لكن التجربتين بكل الأحوال لا يمكن اسقاطهما على واقع الإعلام اللبناني، وريادته للحرية بشكلها السطحي، مقارنة مع استسلامه الطوعي للقوى المحرّكة للمجتمع من مؤسسات سياسية ودينية تحدد له أجندات واضحة، وتترك له هوامش حرية محسوبة سلفاً، يستفيد منها الصحافيون للحفاظ على حد أدنى من الموضوعية التي تتيح لهم إدعاء حرية العمل الصحافي.

الموضوع القانوني والتنظيمي للمهنة أخذ حيزاً كبيراً من النقاش، لكنه بدا من زمن آخر لا يليق بإعلام يدعي الحرية.. 

فحضور وزير الإعلام ملحم الرياشي، ومشاركته كممثل عن السلطة، يغني النقاش. لكن النوايا الحسنة للوزير لجهة تنظيم الوضع الإعلامي بما يخدم السلم الأهلي، لا تحجب خطورة أن يجري هذا التنظيم برعاية السلطة نفسها، التي احتكرت هذا الإعلام عبر كارتيلات مالية وسياسية وطائفية، وكرست هذا الاحتكار في قانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع الصادر في تسعينيات القرن الماضي.

مستوى الخطورة هذا، عبّر عنه بشكل واضح أكاديميون أوروبيون مشاركون، جزموا بمخاطر فرض قيود جديدة على تدفق المعلومات، في حين تحتاج الصحافة الى التحرّر من هذه القيود. كما عرضوا لنماذج من هيئات ناظمة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي هيئات نابعة من الوسط الإعلامي، لا علاقة للدولة بها من قريب أو بعيد.

وفيما ينجرف الإعلام اللبناني نحو مزيد من القوانين المقيدة لعمله، ركز الأكاديميون الأوروبيون على أولوية أن تكون الرقابة الأساسية المفروضة على الصحافي هي تلك الذاتية، النابعة من حسّ المسؤولية لديه المرتبط بالنوازع الأخلاقية للعمل الصحافي والإعلامي وأهدافه في تعزيز السلام والاستقرار الاجتماعي، من دون أن يتخلى عن حرية التعبير وحقه في الوصول الى المعلومات كشرط أساسي للممارسة الصحافية.

في المقاربة اللبنانية لأداء المؤسسات الإعلامية، تبدو القنوات مثل مجموعة من الطلاب تجلس في صف تديره السلطة وتتحكم بأنماط العمل فيه.. في هذا الصف، يمتثل الجميع لأوامر الأستاذ، وتلعب قناة "الجديد" دور الطالب المشاغب الذي يحاول دائماً قلب الأدوار قبل أن يعود وينتظم ضمن الدائرة بانتظار فرصة جديدة.

يتضح من التجربة الإعلامية اللبنانية أن المشكلة لم تكن يوماً مشكلة قوانين أو مواثيق شرف، فالقنوات التي لا تحترم، وبمباركة سلطوية، القوانين الموجودة حالياً والمواثيق التي وقعت هي عليها، لن يختلف الأمر معها مع القوانين الجديدة التي يجري العمل عليها..

المشكلة الأساس أن الإعلام اللبناني عالق في دوامة تتحكم بها آفات ثلاث، هي: التبعية السياسية، ومصادر التمويل، وهاجس "الرايتنغ".. هذه الآفات التي يمكن لواحدة منها فقط أن تعطل دوره، ستكون فعلياً كافية لإبقائه على حاله كمروّج لسياسات السلطة مع هوامش حرية تتماشى مع التحالفات والخصومات السياسية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها