الإثنين 2017/03/20

آخر تحديث: 18:30 (بيروت)

جوبر.. وكأن سوريا عادت للعام 2012

الإثنين 2017/03/20
جوبر.. وكأن سوريا عادت للعام 2012
مقاتلان من المعارضة السورية في أحد شوارع جوبر (غيتي)
increase حجم الخط decrease
بدت سوريا وكأنها عادت للعام 2012 مرة آخرى مع المعركة السريعة التي شنتها فصائل معارضة على أحياء دمشق الشرقية. الأثر الرجعي هنا لا يتعلق بالنوستالجيا والتفاؤل الذي قتلته أسلمة الثورة وعسكرتها عاماً بعد عام، بل تجسد بلمحات من خطابات التخوين والانفعالات من الموالين والمعارضين على حد سواء، والتي تغذيها وسائل إعلام وشخصيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من الطرفين، كتجييش ضد وجود الأخر بالمطلق.

وظهر بشكل واضح أن بعض السوريين لم يتعلموا كثيراً من سنوات الحرب التي كرست مزيداً من العنف والطائفية والحقد الطبقي، كعناصر كانت موجودة في المجتمع السوري لكنها لم تكن ظاهرة بشكل فج قبل الثورة السورية التي كشفت بوضوح آثار 4 عقود من حكم عائلة الأسد في البلاد. ومع استمرار دوامة العنف سنة بعد سنة تولد مزيد من العنف والنزق في التعبير عنه لدى كثيرين بسبب الضيق من طول الحرب وسهولة نشر أي شيء عبر السوشيال ميديا مهما كان مهيناً وقاسياً وفظيعاً بحق الإنسانية كمفهوم مجرد.

يبرز ذلك مع دعوة صفحات سورية موالية لإبادة حي جوبر بالكامل، بل وتجاوز الإبادة لغوياً في سياق التجييش العنيف المتعلق أساساً بنوع من القدسية التي يوليها النظام لمدينة دمشق، ليس كعاصمة له فقط، بل كمكان له رمزية خاصة ضمن الصراع السني - الشيعي الذي يمكن قراءة الحرب السورية في إطاره بسبب وجود العامل الإيراني الحليف للنظام، إضافة لتكريس الحضارة السورية بمركزية مبالغ فيها حول العاصمة دمشق من طرف النظام طوال عقود عانت فيها مناطق ثانية في البلاد تهميشاً مريعاً، وتحديداً في المناطق الشرقية والجنوبية، الريفية، التي تشكل الحاضنة الأساسية للمعارضة.




الصورة التي نشرتها صفحة "مراسلون سوريون" واسعة الانتشار، تحريف للصورة الشهيرة التي تحمل عبارة "Keep calm and carry on" التي ابتكرتها الحكومة البريطانية في بوستر شهير العام 1939، من أجل رفع الروح المعنوية للشعب البريطاني في مقاومة النازية خلال تهديدات ألمانية حينها بتنفيذ غارات جوية مميتة ضد بريطانيا. ومن المثير للسخرية كيف تحول شعار بذلك النبل والتضامن بين حكومة وشعبها، إلى دعوة مقيتة للإبادة والقتل من قبل نظام ضد شعبه، حيث تعمم الصفحات الموالية دعوتها لإبادة جوبر بالكامل، من مدنيين ومسلحين من دون تمييز، أي تطبيق سياسة الأرض المحروقة.

هذا الدفاع المستميت عن دمشق لم يكن ليظهر بنفس القدر من العنف لو أنه متعلق بمدينة أخرى في سوريا كحلب وحمص، فدمشق بغض النظر عن كونها مركز السلطة ومقر معظم القيادات العسكرية والسياسية والأمنية، تعني أيضاً طبقات من البرجوازية السورية الموالية التي يجب أن يظهر لها النظام بأي شكل وقوفه إلى جانبها، لكونه لا يستطيع المراهنة على خسارتها وانقلابها ضده بأي حال من الأحوال. إضافة إلى أن النظام ينتظر هذه اللحظة منذ ثلاث سنوات تقريباً من أجل إبادة المعارضة في جيوب دمشق بعدما أفرغ بالتدريج معظم محيطها من المعارضين، مسلحين ومدنيين، عبر عمليات التهجير القسري إلى إدلب إثر عمليات الحصار الخانقة (داريا، المعضمية، ..).

التجييش لم يكن من طرف النظام فقط، فلغة التخوين والشماتة والكراهية المناطقية كانت موجودة أيضاً في منشورات معارضين. وكان منشور لإحدى السوريات في "فايسبوك" رائجاً إلى حد كبير وفيه تتفاءل بأن أهل دمشق سينزحون كي يذوقوا شيئاً مما ذاقه أهالي المدن السورية الأخرى. الحقد المناطقي الواضح في المنشور انسحب على الصفحات الموالية التي اعتبرت المنشور تعبيراً عن روح المعارضة بالمطلق، وأن الثورة السورية ليست أكثر من حقد على الدمشقيين وحضارتهم!

ورغم أن المنشور نفسه لاقى استهجاناً حقيقياً في الصفحات والتعليقات من قبل ناشطين معارضين، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة وجود شيء من الحقد المناطقي في سوريا، والذي تولد بسبب سياسة النظام غير العادلة التمييزية اجتماعياً واقتصادياً وخدمياً بين مناطق البلاد المختلفة، وحصره الحضارة السورية بالحضارة الدمشقية فقط، مع وجود فروع لها في حلب والساحل السوري بدرجات متفاوتة، فيما تبقى بقية البلاد وكأنها مجرد "رتوش" لا أكثر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها