الخميس 2017/03/02

آخر تحديث: 17:18 (بيروت)

البرلمان المصري: فيلم كارتون طويل جداً

الخميس 2017/03/02
البرلمان المصري: فيلم كارتون طويل جداً
القانون الذي "توعد وبشر" به عبد العال، كيف سيقيد حرية الإعلام أكثر؟
increase حجم الخط decrease
 
يخطئ رئيس مجلس النواب المصري في اللغة العربية، حسبما رصدت له "الأهرام العربي"، 165 خطأ بمعدل 9 أخطاء في الدقيقة الواحدة، وذلك في احتفالية مرور 150 عاماً على إنشاء البرلمان المصري في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. فنَصَب المرفوع، ورَفَع المنصوب، وحرّك الساكن، وسكّن المتحرك، ونوّن ما لا ينبغي تنوينه، ونطق همزة الوصل بدلا من القطع والعكس، وفتح أوائل الأفعال بدلا من ضمها، كما رصدت ترقيق الحروف بدل تفخيمها والعكس.

في الواقع، لا يخطئ رئيس البرلمان المصري الدكتور علي عبد العال في اللغة شكلياً فحسب، وهو الأمر الذي صار مادة ثابتة للصحافة المصرية في تدوين أخطاء رئيس المجلس كل مرة تلفظ فيها، بل إن خطأه يتجاوز إلى ما هو أبعد، في ازواجية تأويله "للغة" التي يرفضها ويقبلها وفي أي سياق.

ذلك أن الرئيس الموقر للبرلمان الموقر، قبل بتسامح "شكلاني أيضاً" أن يهاجم النائب مرتضى منصور صحيفة المقال، وهو الذي قال "الصحافي الذي لا يحترم المجلس هياخد بالجزمة".

لكن حذاء التهديد البرلماني ليس تجاوزاً في عرف المجلس، الذي قرر رئيسه في جلسة الثلاثاء، التقدم ببلاغ إلى النائب العام، ضد إبراهيم عيسى، رئيس تحرير الجريدة لاتهامه بإهانة المجلس. وذلك تنفيذاً للمقترح الحذائي من مرتضى منصور. بل إن عبد العال قال: "أقسمنا على احترام الدستور والقانون والدستور ينص صراحة على حرية الصحافة، أعلم جيدا أن ما ورد في المقال يشكل جرائم طبقاً للقانون، وما جاء في هذا المقال تضمن بعض العبارات، التي تشكل جرائم طبقاً لقانون العقوبات، وأنا أيضا باسمكم جميعا أحمي هذا المجلس.. إن هذا الصحافي دأب على إهانة المجلس".

أما "الإهانة" التي قصدها، فهو المانشيت الرئيسي للجريدة، الذي يقترح تقديم جائزة أوسكار أفضل فيلم كارتون لمجلس النواب. كيف إذاً وازَنَ عبد العال بين "فيلم كارتون" المقال، و"جزمة" مرتضى منصور؟ إنها الضحالة اللغوية التي تفرض سلطة للجالسين تحت القبة بما يرونها تجاوزات، فيما ترفض مثلها لغيرهم.

هذا الامر، دعا الصحافي (قبل النائب البرلماني) مصطفى بكري، أن يدلي بدوله هو أيضا في بلاغ النائب العام ضد "زميله" إبراهيم عيسى وجريدته، حيث قال: "إن تطاول جريدة المقال لا يمثل نقداً أو احتراماً لهذه المؤسسة العريقة (مجلس النواب)، وإنما يمثل استباحة لكل المحرمات، التي أكد عليها الدستور"، مضيفًا: "هؤلاء يساعدون على هدم المؤسسات، لذا فإنني أطالب بالتقدم ببلاغ إلى النيابة العامة، وإلا فإن كل شيء سيكون مستباحاً".

لكن موازين القوى، محسومة في هذه المعركة لصالح المجلس على حساب الجريدة المستقلة.

**

معركة أخرى، بطلتها اللغة أيضاً، "تورط" فيها ئيس مجلس النواب، مع المؤسسة الصحافية الأكبر في مصر: "الأهرام". ضاق عبد العال ذرعاً بهجوم "الأهرام" عليه وعلى مجلسه بعد إسقاط عضوية النائب محمد السادات "رغم أننا بنصرف عليها"، على حد تعبيره. وأضاف: "المؤسسة تملك شركات وجامعات، لكنها للأسف الشديد ابتليت بإدارة ربما لا تديرها طبقاً للمعايير الاقتصادية، وبالتالي شوّهت الحقيقة"، وتوعّد: "بأن الهيئات الصحافية والإعلامية والمجلس الأعلى للإعلام سترى النور قريباً.. والصحف القومية ستعود قوية ومنتشرة وتؤدي الدور المنوط بها".

اللغة باعتبارها حاضنة معنى، خانت عبد العال، الذي لم يوضح من "نحن" الذين ينفقون على مؤسسة "الأهرام". هل باعتباره هو رئيساً للمجلس المشرف على المؤسسات الإعلامية؟ أم باعتباره ممثلا للدولة، باعتباره على رأس مؤسستها التشريعية؟

هذا "التعالي" السلطوي، استفز أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة "الأهرام"، فكتب في حسابه في "فايسبوك": "للصبر حدود وقد تم تجاوزه بالفعل. وعلى من أخطأ وبشكل علني في حق مؤسسة عظيمة هي عمود خيمة الصحافة والإعلام في مصر والمنطقة وهي الأكبر والأوسع انتشارا بفارق كاسح عمن يليها.. عليه أن يعتذر وفي الاعتذار عن الخطأ فضيلة كبرى لو تعلمون". 

في ردّ النجار على عبد العال، مستويان، أحدهما يرد على ادعائه في حق "الأهرام" من ناحية، ويسبك بناء لغوياً متماسكاً ليكشف عوار لغته من ناحية أخرى، خصوصاً وأنه يقول له "فما عاد في قوس الصبر منزع". وهو ما يتضح جلياً في رد رئيس تحرير بوابة "الأهرام" الذي كتب في "فايسبوك": "سيادتك تتعامل مع اللغة العربية كما يفعل جرار زراعي في طبق بيض بلدي أو فيل هائج في محل زجاج".

**

فيلم كرتون طويل جدا، هذه المرة ليس تعليقاً ساخراً من جريدة "المقال" على مجلس النواب وأحواله، بل كأن ما يحدث هذه الأيام، خاصة لمن يتابع جلسات النواب، يعرف أنه بصدد مشاهدة فيلم كرتون مدبلج دبلجة لم تمر على مدقق لغوي، والتعاطي اليومي مع الحدث ينبئ بسلسلة جديدة من الأفلام.

الخطير وراء هذا الهزل كله، هو طبيعة القانون الذي "توعد وبشر" به عبد العال، كيف سيقيد حرية الإعلام أكثر مما هي عليه الآن؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها