السبت 2017/03/18

آخر تحديث: 11:15 (بيروت)

لبنان على شاشة تتبرأ منه

السبت 2017/03/18
لبنان على شاشة تتبرأ منه
مَن يقرأ كتاب زافين قيومجيان، يلاحظ أن الجمع بين النص والصورة قد حل منسجماً
increase حجم الخط decrease
مَن يقرأ كتاب زافين قيومجيان "Lebanon on screen" (دار هاشيت-أنطوان، والأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة-ألبا، وبدعم من السفارة الأميركية)، الذي ألفه بالإنطلاق من كتابه السابق "أسعد الله مساءكم"، يلاحظ أن الجمع بين النص والصورة على طول صفحاته  قد حل منسجماً، فلا الأول يطغى على الثانية، ولا العكس أيضاً. هذا، ما يتصل بموضوع الكتاب، أي التأريخ لمسار التلفزيون اللبناني استناداً إلى لحظاته الأصلية، التي أسسته، والمفصلية، التي حرفته، بحيث أن اختيارها يستلزم سرداً لسياقها أو إطارها، ومرأى لشخوصها أو لمظاهرها.


تالياً، يتوجب على السرد أن يبين كيفية بروز تلك اللحظات، مثلما يتوجب على المرأى أن يزودها بهيئات تختصرها. لعبة بين النص والصورة، وهي، بلا شك، لعبة ميديوية، لكنها، لعبة متناغمة، نظراً إلى أن زمنها سابق على زمن الفيض التلفزيوني في مطلع الألفية الثالثة، فيمتد من خمسينات القرن الماضي إلى تسعيناته.

يجعل قيومجيان سرده قائماً بالسياسة وواقعاتها، إذ يربط بين إقلاع التلفزيون ونشوء الكيان،  وعلى هذا النحو، تأتي أغلب حكايات البث والبرمجة مطبوعة بالتصور السياسي عن البلاد، ومحبوكة به. فتتصل كل حكاية منها بواقعة، أو بحادثة، وذلك، ليستحيل لبنان فعلاً على الشاشة، حيث أنه، ومن فترة إستقلاله عن الإنتداب إلى ما بعد حربه الأهلية، تشكل، وأخفق في استوائه، وعاش "زمنه الجميل"، واحترب، وتدمر، وتوافق. كل مقلب من مقالبه هذه كان له أثره على تلك الشاشة، التي كانت، وفي بعض الأحيان، تحاول التدخل فيه، لتخفيفه، أو تصويبه، أو حتى شقلبته. فبحسب سرد قيومجيان، كانت الشاشة تستقبل التبدلات السياسية، من دون أن يعني هذا تورطها فيها، فهي الشاشة البريئة من تحولات كيانها، وحتى لو عمدت إلى عرضها، فذلك، من باب الإنباء، الذي تسعى إلى حصر وطأته أو تطويقها.

ولهذه الشاشة البرئية صور تجاور حكاياتها، بحيث يظهر فيها لقطات من الواقعات، وإعلاميون في برامج، ونجوم في أثناء أدائهم الطربي وغيره. النظر إلى هذه الصور يرسخ براءة الشاشة عبر مرآها، الذي اتسم بنوع من التواضع وبما يشبه الخشوع للمتفرج، وبالهجس الهادئ فيه. لم يكسر الكيان بمرجه وهرجه هذه السمة المرئية، فالرؤوساء والجنرالات والزعماء الذين أطلوا على الشاشة، سرعان ما أطفأتهم، أو غيرتهم إلى ممثلين داخلها، تماماً كما هي الحال في إنقلاب العميد عزيز الأحدب. لقد تمكنت الشاشة من المعروض الكياني عليها، وحافظت على إنتاج صورها الخاصة بها، والخاصة بنجاتها من اختلال لبنانها، كصورة ريمي بندلي الطفولية، أو صورة نجيب حنكش، أو صورة هند أبي اللمع وعبد المجيد مجذوب.

لقد كانت الشاشة "تتقي شراً" عبر إنتاج "خيرها"، الذي كان، في بعض أوقاته، بليداً، وبسيطاً، ومع ذلك، كان يصنع الثقافة الشعبية. فالشاشة، في هذا السياق، ومثلما تجد تأريخة قيومجيان، تخاطب "شعباً"، لا جمهوراً، وتصيغ الـ"pop culture"وليس "الثقافة الجماهيرية". وبهذا، كانت موطناً مرئياً يحتمي من الكيان "الوطني"، صحيح، لكنه، وفي الوقت نفسه، يبغي أن يحل مكانه، أو ينافسه حتى، لا سيما أنه أكثر رواجاً منه، ومتابعةً، وتقليباً ((zapping. كانت الشاشة بريئة، إلا أن براءتها، لاحقاً، أودت بها إلى جنحة التواطؤ، أي صناعتها الكيان، الذي لطالما اتقت منه، لتصبح، عبر قنواتها، مشغلة نظامه، وباثّة لغوه، وخافية مواته، فغدا ذلك الكيان بسلطاته عليها، وما عاد حاضراً سوى من خلالها.

من هنا، قد يتذكر القارئ، وبعد انتهائه من كتاب زافين قيومجيان، وعطفه على الوضع التلفزيوني الراهن في لبنان، تلك النظرية، التي تفيد بأن الصورة الميديوية، المعروضة على الشاشات، لا آخر لها، أي أنها لا تحيل سوى إلى ذاتها، وإلى آلية تركيبها أو تأديتها، كما لو أنها مغلقة، فاستهلاكها هو استهلاك لها وحدها، ولا تنظر بواسطتها إلى شيء ما غيرها. وعلى هذا المنوال، وفي حين كان لبنان خارج الشاشة، كانت صورته عليها تعرضه وتحتاط منه، ولما أضحى على الشاشة فقط، كانت صورته تعرضه، وتفرط في عرضه، لكي تتفادى الإعلان عن كونه ما عاد موجوداً سوى عليها. فبعد أن كان "لبنان على الشاشة"، ها هو "في الشاشة"، لأنه ليس في مكان غيرها.


مواعيد المحطة الأولى من جولة التلفزيون اللبناني في العالم:

باريس: 21 آذار | بين الساعة 5:00 - 8:00 | مكتب السياحة اللبنانية.

نيويورك: 23 آذار | بين الساعة 7:30 - 9:00 | الجامعة اللبنانية الاميركية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها