قبل فجر السبت بساعات قليلة، أُعلنت النتيجة النهائية لانتخابات نقابة الصحافيين المصريين، بعد معركة وصفها كثير من المتابعين بأنها معركة بين الدولة وخصومها، خصوصاً بعد اقتحام النقابة من قِبل عناصر الأمن قبل فترة، للمرة الأولى في تاريخها، ووقوف مجلسها مع الصحافيين الذين ألقيَ القبض عليهم.
ألقت الدولة بأوراقها وإمكاناتها لتذليل العقبات أمام عبد المحسن سلامة، فلم يقتصر الأمر على الدعاية الانتخابية التقليدية، بلافتات تملأ المؤسسات الصحافية وحول مناطق تمركزها، بل عززت ذلك بتجييش إعلامها وراءه، وتقديم خدمة رسائل نصية على الهواتف المحمولة إلى جميع الصحافيين المسجلين بقيود النقابة. أي أن فريقاً كاملاً كان يعمل لإنجاح سلامة، وهو ما حدث وحصل على مقعد النقيب الرقم 21 للصحافيين بـ2457 صوتاً، من إجمالي عدد الناخبين البالغ 4524، فيما حصل يحيى قلاش على 1890 صوتاً.
الكثير من الصحافيين بعد إعلان النتيجة، خصوصاً ممن أيدوا قلاش، أصيبوا بإحباط كبير، وهو الأمر المفهوم، لكن المقارنة بين الترشيحين والحملتين، وإمكانات كل منهما يقول ما هو أكثر من مجرد الهزيمة والفوز.
ذلك أن أجهزة ومؤسسات قدمت كل التسهيلات الممكنة لسلامة ليفوز بالمقعد، وهو ما استطاع أن يقتنصه بفارق 500 صوت. حدث ذلك أيضاً بتصويت بين أكثر من ربع أعضاء الجمعية العمومية (25%+1). أي أن الانتخابات حُسمت بأقل نسبة من الصحافيين المسجلين. لكن الدولة في النهاية حصلت على مرادها واقتنصت مقعد النقيب.
أيضاً، ما أن أُعلنت النتيجة، حتى سارع أحمد موسى إلى الكتابة في صفحته في "فايسبوك": "مبرووووووك فوز النقيب عبد المحسن سلامة بمنصب نقيب الصحافيين عن جدارة واستحقاق.. الصحافيون انتخبوا الاستقرار والمهنة لتعود النقابة لكل الصحافيين لأول مرة منذ 6 سنوات من عملية اختطاف منظمة.. مبروك لكل من أيّد النقيب... وشكراً للنقيب السابق يحيي قلاش على ما قدمه خلال عامين. وهذه هي الديموقراطية".
لا ينسى الصحافيون دخول سلامة النقابة بعد إعلان ترشحه، إذ كان موسى في صدر رفاقه والمؤيدين له. أما مصطفى بكري فقد آتته الفرصة عبر برنامجه "انفراد" على فضائية "صدى البلد" ليتكلم أمام الشاشة ويقول إن فوز سلامة هو عودة النقابة لدورها النقابي بعيداً من الانحيازات السياسية.
في الجانب الآخر، فقد وثق كثير من مؤيدي قلاش خيبتهم من النتيجة بل اعتبرها البعض "هزيمة جديدة للثورة"، و"إعلان نجاح الدولة في اقتناص جزيرتي تيران وصنافير" موضوع الخلاف الأساسي بين النقابة والدولة طوال العام الماضي.
غير أن التعليقات السريعة، ما لبثت أن انتظرت حسم نتيجة بقية المقاعد، التي حملت عدداً من المفاجآت، أبرزها فوز عمرو بدر بمقعد في مجلس النقابة، وهو الذي حُبس سابقاً، وكان السبب الأساسي في اقتحام النقابة ثم الموقف الذي اتخذه يحيى قلاش وخالد البلشي.
لم يفز عمرو بدر وحده، بل استمر جمال عبد الرحيم في مقعده في المجلس، وفاز أيضاً مرشح له حضوره وسط القطاع الأكثر تحرراً في النقابة محمد عبد الحفيظ، لتأتي النتيجة كالتالي: جمال عبد الرحيم 1182 صوتاً، ومحمد خراجة 1152 صوتًا، وحسين الزناتي 1165 صوتاً، ومحمد عبد الحفيظ 801، وعمرو بدر 768، وأيمن عبد المجيد 763.
وبذلك تكون ثالث المفاجآت في خروج خالد البلشي خاسراً، بفارق لا يزيد عن 100 صوت لصحافيين فوق السن هما عبد الرحيم وخراجة والزناتي.
ربما تبدو النتيجة النهائية قاتمة للبعض، وقد تبدو أقل قتامة لآخرين، لكنها في المجمل لم تكن معركة متكافئة، بين صحافيين لا يملكون إلا أصواتهم ومطالب ينشدون تحقيقها حول حرية النقابة واستقلاليتها، وعدم إطباق الدولة على مقدراتها. في حين لعبت الدولة على مطلب رفع البدل المالي للصحافيين، وتسهيلات مادية أخرى، وقوة مؤسسة "الأهرام" وانحيازها لأبنائها.
لعل من المفارقات التي تسترعي الانتباه، هو ما يدعيه بعض المتابعين من خسارة قلاش أمام سلامة بسبب انحيازه إلى عمرو بدر، فيما يكسب عمرو بدر نفسه مقعدا في المجلس! في كل الأحوال ففعالية الرابحين الثلاثة ستتضح في الفترة المقبلة، لأن ما سيواجهونه ليس سهلاً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها