الجمعة 2017/03/17

آخر تحديث: 15:15 (بيروت)

سيلفي الدم

الجمعة 2017/03/17
سيلفي الدم
نبراس مجركش أثار جدلاً لم نره مع كنانة علوش وشادي حلوة
increase حجم الخط decrease
طوال سنوات الثورة السورية، تسابق مراسلو قناة "سما" شبه الرسمية، على التقاط الصور الاستفزازية مع قتلى وجرحى وأسرى من صفوف المعارضة، مدنيين وعسكريين. لكن ذلك لم يجعل القناة تفقد مهنيتها المزعومة أمام جمهور الموالين، إلا مع التقاط مراسلها نبراس مجركش، الأربعاء، "سيلفي الدم"، بعد التفجيرات التي ضربت العاصمة دمشق قبل أيام.


وأخذ مجركش الصورة من مقطع الفيديو المباشر الذي كان يبث من خلاله، عبر صفحته في "فايسبوك"، تغطية مباشرة لأحداث التفجيرات في القصر العدلي بدمشق. ورغم أنه لا تظهر أي جثث أو أشلاء بشرية في الصورة، إلا أن الموالين للنظام السوري، من إعلاميين ومصورين حربيين ومراسلين ميدانيين وصفحات عامة وناشطين عاديين، اتهموا مجركش بانتهاك حرمة الدم السوري!



هذا النوع من الاتهامات لم يكن له وجود في الصور المماثلة التي التقطها مراسلا "سما"، كنانة علوش وشادي حلوة، في حلب وإدلب، وهما أطلقا حرباً مسعورة بينهما لالتقاط السيلفي الأكثر دموية في مناطق المعارضة. حينها كانت تصرفات المراسلين الاستفزازية - الدعائية تهدف إلى كسب شهرة وحظوة أكبر لدى جمهور الموالين ودوائر صنع القرار لدى النظام. في هذا الإطار العنيف كانت صور الجثث تعتبر وكأنها غنائم إضافية تشبع غريزة الاستمتاع بالقتل وتخفيها ضمن سياق حربي "طبيعي".

وكان النظام السوري يشجع على ذلك النوع من إشهار الجثث على شاشاته منذ العام 2011، كتوجه يدعم به الإعلام الرسمي أقوال النظام السياسية كبرهان على مرور جنوده من منطقة جغرافية ما وتركهم أثراً فعلياً على الأرض يتجلى بالدم والموت و"تصفية الإرهاب"، في وقت يوفر فيه نشر الصور الاحتفالية إيحاء أوتوماتيكياً بوجود مساحات آمنة لالتقاط الصور تعزيزاً لفكرة الأمان الذي ينشره جيش النظام لصالح مواطنيه، وأبرز مثال على ذلك التقرير المخيف الذي أعدته مراسلة قناة "الدنيا" بين جثث أطفال داريا العام 2012.

مجركش غابت عنه التفاصيل السابقة كلها، وظن على الأغلب أنه يقوم بشيء مماثل، مندفعاً من "غيرة مهنية" نظراً لأن مراسلي وإعلاميي النظام المقيمين في دمشق الهادئة منذ سنوات، كانوا بعيدين عن الأحداث الساخنة التي تزود زملاءهم في مناطق البلاد الأخرى، في الشمال تحديداً، بالقدرة على صناعة الجدل والدراما وجذب الأضواء إليهم بأكثر الطرق تطرفاً ووحشية.

والحال أنه طوال تغطية الإعلام الرسمي لتفجيرات دمشق، ركزت كاميرات القنوات ومراسلي الصفحات الموالية، على الدماء المنتشرة في القصر العدلي، كان المقصود هو الإيحاء بأن المعارضة الرافضة للحوار في مؤتمر الأستانة، لا تفهم إلا لغة الدم، التي تم تجسيدها بصرياً بشكل فج خال من أي رمزية، وهو أمر مألوف بالنسبة لبروباغندا النظام عموماً.

ولم يقدم مجركش اعتذاراً عن الصورة بل دافع عنها عبر صفحته في "فايسبوك": "مشان ما حدا يبلش يحكي ويستثمر ويبعد عن القصة والمجرم الرئيسي، أنا ماتصورت سيلفي لعدم الإنسانية متل ما بقولوا وموضوع الانسانية تحديداً بظن كل واحد معروف شو هو فيه وفي تاريخ وأرشيف بيشهد له مافي داعي يحكي عنه"، مبرراً الصورة والفيديو بأنه كان حريصاً على التواجد في مكان الحدث مباشرة من باب "الالتزام بالمسؤولية"!



في السياق، لا ينبع غضب الموالين من الصورة عبر السوشيال ميديا من إنسانية مطلقة،
فالتضامن نفسه لم يكن موجوداً في الحوادث المشابهة عندما كان الضحايا محسوبين معارضين أو إرهابيين، ويصبح الحس الإنساني الطارئ اليوم خالياً من المعنى لكونه قائماً على شروط مسبقة تشترط الولاء السياسي للضحية قبل التضامن معها، وفي ذلك انتهاك لحرمة الدم السوري الواحد أكثر من الانتهاك الذي أثارته سيلفي مجركش.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها