الخميس 2017/03/16

آخر تحديث: 19:27 (بيروت)

النظام السوري ينقلب على محور الممانعة:"الميادين"نموذجاً

الخميس 2017/03/16
النظام السوري ينقلب على محور الممانعة:"الميادين"نموذجاً
increase حجم الخط decrease

بدأ النظام السوري ينقلب على حليفه الإيراني، بعدما أوضحت روسيا ودول غربية وإقليمية أنها لا تريد نفوذاً إيرانياً واسعاً في سوريا. المؤشرات الأولى لهذا الشقاق أتت مع قرار وزارة الإعلام السورية، مساء الأربعاء بإيقاف مراسل قناة "ألميادين" في سوريا، رضا الباشا، ومنعه من العمل في البلاد من دون توضيح الأسباب وراء القرار الجدلي.

وفيما يبدو للوهلة الأولى بأن النظام السوري يقمع نفسه بنفسه لأنه لم يجد أحداً ليقمعه، إلا أن قراءة سريعة لنشاط الباشا الطويل في البلاد وولاءه المطلق لإيران والميليشات التابعة لها على حساب الميليشيات المحلية غير النظامية مثل الدفاع الوطني، وحملة التجييش ضده من قبل إعلاميين سوريين متطرفين في ولائهم للنظام، تجعل الأمر أكبر من مجرد عقوبة لمخالفة قوانين الإعلام في البلاد، وهي قوانين غير موجودة تقنياً وتنحصر بالولاء للنظام ورموزه.

وترجح وسائل إعلام سورية موالية، وأخرى إقليمية حليفة للنظام، أن قرار وزارة الإعلام ضد الباشا أتى على خلفية اتهامات وجهها قبل أشهر لقوات "الدفاع الوطني" واللجان الشعبية، حول التعفيش في حلب، أي عمليات السرقة والنهب التي تقوم بها هذه القوات لبيوت المدنيين بالتنسيق مع قوات الجيش السوري والحواجز الأمنية المختلفة، محدداً أسماء متنفذين عسكريين يقودون تلك العصابات مثل علي الشلي التابع للعقيد المعروف سهيل الحسن. وكان ذلك أول هجوم بالأسماء من قبل الإعلام الحليف على رموز النظام، من الناحية العسكرية تحديداً، وبدا كأنه صراع داخلي على الغنائم وتقاسم النفوذ على الأرض حينها،

لكن تلك النظرية تسقط سريعاً بسبب الفاصل الزمني الكبير بين حادثة التعفيش وبين قرار وزارة الإعلام، كما أن النظرية الأخرى التي تروج لها صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن الباشا كتب منشوراً يطالب فيه رئيس النظام بشار الأسد بالتدخل، ملفقة وغير صحيحة أيضاً. ليبقى الخلاف السياسي كتفسير وحيد لما يجري في ظل تصعيد في اللهجة ضد النظام من طرف "الميادين" أيضاً.



وهنا كتبت الإعلامية ديمة ناصيف، مديرة مكتب "الميادين" في دمشق أن قرار إيقاف الباشا عن العمل أتى بسبب "مخالفته لقانون الاعلام"، حسب نص القرار الذي اكتفى بهذه العبارة لإلغاء اعتماد الباشا كصحافي على الأراضي السورية، مؤكدة أن "الادارة في قناة الميادين تحترم وتلتزم بأي قرار يصدر من السلطات الرسمية في أي بلد يعمل مراسلو الميادين على أرضه". لكن القناة نفسها لم تكن لطيفة أو دبلوماسية في ردها على القرار، فنشرت بيانات مقتضبة عبر صفحتها الرسمية، مدشنة وسم (هاشتاغ) #متضامنين_مع_رضا_الباشا معتبرة أن الإعلام في سوريا لا يفهم معنى حرية التعبير.

وطرحت القناة تصويتاً أمام جمهورها: "هل برأيكم ان الإعلام السوري إتخذ القرار المناسب بتوقيف إعلامي الميادين رضا الباشا في #حلب الذي يتكلم بكل مصداقية أم أن هذا الإعلام السوري لا يعرف قيمة الإعلام الحر وقيمة المحترفين والصادقين بعملهم؟". 

هذه التهدئة لم يلتزم بها النظام، حيث قدم مدير إذاعة "شام إف إم" شبه الرسمية، سامر يوسف، مجموعة من التهديدات ضد الباشا، داعياً إلى عدم التضامن معه، وذاكراً بشكل صريح أن قرار منعه من العمل لا يعود لموضوع التعفيش في حلب، معتبراً أن الباشا خرج عن سياسة الدولة السورية وسياسة قناة الميادين الحليفة في كلماته وتصريحاته. العنصر المفقود هنا هو تصريحات مفترضة للباشا، لا وجود لها في سياق الاتهامات بالخيانة والعمالة التي وصلت إلى حد التهديد بالتصفية: "أخشى عليك الآن كثيرا ليس من جماعة التعفيش والتشويل، ليس لأنهم لا يفعلونها ،ولكن أنت أعطيت فرصة ذهبية للجماعات في الطرف الأخر لإرتكاب فعل قد يخلط الأوراق في ساحتنا لاسمح الله"، مهدداً في السياق نفسه الإعلاميين المتضامنين مع الباشا وعائلته! وكلها تصريحات لا تأتي من فراغ بل من غطاء وتوجيهات سياسية مسبقة.



الحديث عن خلاف إيراني - روسي وأسدي، انطلاقاً من الخلاف مع "الميادين" يعطي معنى للحادثة المفاجئة الخارجة عن سياقها الطبيعي، فبينما تكتب الصفحات الموالية لإيران عن التضامن مع الباشا، تهاجمه صفحات ووسائل إعلام شبه رسمية، في وقت باتت فيه روسيا هي المحرك الحقيقي للنظام المتداعي، وبذلك يصبح قرار وزارة الإعلام تنفيذاً لأوامر روسية وليس لرغبات النظام السوري بشكل مجرد.

يتضح ذلك في منشورات لصفحات إيرانية هاجمت فيها الحكومة السورية ككل والدولة السورية وغرف العمليات العسكرية على ما أسمته تقصيراً تجاه الممانعة والمقاومة! وفي ذلك إشارة مبطنة للخلاف على دور الدولة السورية المستقبلية بين روسيا وإيران وموقعها ضمن الخريطة السياسية للمنطقة، وكأن النظام السوري بدأ يسحب نفسه ودعايته من محور الممانعة.




هناك بالفعل خلافات بين روسيا وإيران تتعلق بالأهداف الاستراتيجية في سوريا، بين تحويلها إلى محطة وقاعدة عسكرية دائماً بالنسبة إلى موسكو، وبين تحويلها إلى بلد يدور في فلك طهران سياسياً وثقافياً وطائفياً، وما تبع ذلك من خلافات حول تقاسم مناطق النفوذ في سوريا، قبل أن تكشف قضية "الميادين" عن مسار تصادمي سيكون بلا شك فاتحة لتطورات لاحقة تتخطى الجانب الإعلامي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها