الأحد 2017/03/12

آخر تحديث: 19:07 (بيروت)

سارق الشوكولاته: اختبار القسوة

الأحد 2017/03/12
سارق الشوكولاته: اختبار القسوة
في زمن الأسعار المرتفعة والعملة المتردية، يواجه مواطن الحبس، بسبب لوح حلوى (غيتي)
increase حجم الخط decrease
الأقسى من السرقة في مجتمع فقير، هو إدانتها. هذا هو ملخص الإنشغال المصري العام منذ السبت، بعد واقعة سرقة لوح شوكولاته من سوبر ماركت كبير، سرقه أب يريد أن يمنحه لابنه ولا يملك ثمنه.

كانت بداية الواقعة عندما ألقت أجهزة الأمن القبض على أب التقطته كاميرات لسوبر ماركت يسرق الشوكولاته، وبمواجهته أقر بفعلته وسببها. مَثُل "المتهم" أمام النيابة وقرر أن طفله شاهد أطفالاً آخرين يتناولون الشوكولاته، فطلب منه إحضارها له.. ولضيق اليد قرر الاستيلاء عليها.

صاحب السوبر ماركت، مقدم البلاغ، قال إن المتهم كان يتجول في المحل ويتفقد البضائع كأنه مُقدم على الشراء، وعندما وصل إلى الرفوف المكدسة بالشوكولاته، مدّ يده إليها، وتناول قطعة ووضعها في جيبه، ومشى في اتجاه الباب، لكنه وقع في أيدي عناصر الأمن، ورصدته كاميرات المراقبة.

وقف المتهم وحوله حرس المحكمة، ورجال الشرطة متعاطفون معه، وقال بعضهم: "والله القضية لا تساوي ثمن الورق التي كتبت عليه". وقال محامو الدفاع إنهم سيوزعون الشوكولاته بالمجان على حاضري الجلسة.

الآن، بعد رفض رافعي القضية "الصلح"، يواجه الأب تهمة ستعرض على المحكمة في العشرين من الشهر الجاري، وفي زمن الأسعار المرتفعة والعملة المتردية، يواجه مواطن الحبس، بسبب لوح حلوى.

لم تمر الواقعة من دون اهتمام كبير في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والصحف اليومية والبرامج الحوارية، بل إن وسمها في "تويتر"، #سارق_الشيكولاتة، تصدر قائمة الأعلى تداولاً في مصر اليوم ومنه تفجرت مساءلات ونقاشات حول ما يتعدى الواقعة إلى معناها.

الإعلامي أحمد الشاعر في برنامجه "صوت الناس" على قناة "المحور"، أبدى أسفه وغضبه من التردي الاقتصادي الذي يدفع أب إلى السرقة وأن يتعرض للمحاكمة بسبب تافه كهذا. أما رامي رضوان في برنامج 8 الصبح على DMC فلم يتقبل السرقة مبدئياً، وقال إنه فعل غير مقبول على جميع الأصعدة وعلى ذلك الأب العاطل أن يعمل بدلاً من أن يسرق. أما موقع جريدة "الوفد"، فنقل عن الأجهزة الأمنية أنه معتاد على السرقة وأنها ليست المرة الأولى له في سلسلة فروع السوبر ماركت الشهير.

الرأيان المختلفان كانا بطلا الجدال في مواقع التواصل الاجتماعي، فرأي يعنف السارق ويرى في فعلته جريمة مهما بلغ صغر ما سرقه، فيما رأى قطاع أكبر أن مثل هذا الاتهام المطلق في سياق اقتصادي متردٍّ فيه من القسوة ما لا يجعله رأياً موضوعياً. 

هذه الواقعة بتغطياتها الإعلامية وجدالها في مواقع التواصل، اختبار لطبيعة القسوة التي يمنى بها المجتمع الآن على مستويات عديدة، فالملاحظ أولاً أن من يرفض الواقعة رفضاً مبدئياً هو على الأرجح من الموالين للنظام الموافقين على انتهاكاته اللاأخلاقية بمبررات واهية، متماهٍ تماما مع ازدواجية معاييره، ولا يرى المسألة في سياقها الأكبر، ومتصالح مع قسوة العاقبة في بلد تصالحت مع السارقين الكبار فيه قانونياً. 

أما الرافضون لإدانة سارق الشوكولاته، فيعون جيداً ما وصلت إليه الأوضاع، وهم مندهشون من انعدام الرحمة في قلوب المتخاصمين مع السارق رافضي التصالح والعفو عنه. ويصبون غضبهم على هؤلاء الذين يدينونه. 

في كل الأحوال، الاهتمام العام إعلامياً واجتماعياً بالواقعة، مؤشر على منحى التضامن الاجتماعي الذي يصل إلى أدنى مستوياته في مجال عام عنيف وفي ظل نظام يفرط في العنف والقسوة في كل قراراته وخطوته حتى صارت هي القانون الوحيد،، والنافذ.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها