تصاعد هذا النقاش، منذ بدأ وصف مستخدمي "تويتر" أو "فايسبوك" بالـ"ناشطين". تزخر بهم الشاشات، وتنسب صفحات الصحف أحياناً معلومات اليهم. في الحالة الثانية، يتم التعاطي معهم كمصدر للمعلومات، أو كمهرب من تبني معلومة، فتُحال الى "ناشطين". أما في الحالة الاولى، فيتم تكريسهم كقادة رأي، ومؤثرين في المجتمع، وقوّامون على بيئة اجتماعية، كما هو الحال في برنامج "هوا الحرية" الذي يقدمه جو معلوف مساء كل اثنين على قناة "ال بي سي".
حين قرر معلوف هذه الاضافة على البرنامج، لم يكن بالتأكيد يراقب تزايد مهاراته وتنامي مقدراته الحوارية. فقد أخضع تجربته في الموسم الحالي لتطوير واضح، تضاءل فيها الوعظ والتوجيه على حساب النقاشات والحوارات. وإذا كانت استضافة هؤلاء تنطلق من أهمية تذخير البرنامج بوقع اضافي في مواقع التواصل، إنطلاقاً من حيثية هؤلاء فيها، وعدد متابعيهم، فإنه غاب معلوف أن وسم البرنامج (هاشتاغ) أكثر افادة لبرنامجه، وربما اسمه بات منافساً لهؤلاء مجتمعين في مواقع التواصل.
هذه الاضافة، في الواقع، لم تسهم في ترفيع البرنامج وتقويته. على العكس، أكلت من رصيد البرنامج، بالنظر الى اضطراره لخوض نقاشات على سائر الجبهات: جبهة استخراج المعلومة من الضيف، والرأي السليم من مختصصين على طاولته، وجبهة مناكفة ضيوف "الناشطين" على الضفة الثانية قبالته، يفترض أن يكونوا قيمة مضافة لرؤية البرنامج، يقدمون رأياً مسانداً.
والحال أن بعض هؤلاء الضيوف، تحول عبئاً عليه. اضطر لمحاورتهم، وليس لاستنباط رأي مؤازر. فضلاً عن أن معظم هؤلاء لا يمتلك رأياً واضحاً، يخدم سياق الفقرات، بل يزيد من عناء معلوف لمحاصرة آراء طائفية أو تجيّش مذهبياً... وفي المقابل، فإن بعضهم ليس قادة رأي، وليس مؤثراً. فمستخدم "تويتر" لا يمتلك أكثر من ألفي متابع، ولا تحصد تغريداته أكثر من إعجابَين، كيف يمكن أن يكون مؤثراً؟ ومن هو جمهوره؟
يدرك معلوف هذه الثغرة في البرنامج.. كما يدرك أنه فتح فرصة لمستخدمي مواقع التواصل، لا يمثلون أكثر من شخصيات تشارك في "مايكرو رصيف"، في تقارير تلفزيونية تصوّر من الشارع. وربما ما لا يدركه معلوف، أنه خالف الصناعة التلفزيونية وما تفترضته الشاشة.
فالتلفزيون عرفاً، هو منبر للنخبة التي توصل المعلومة أو التوجيه الى عامة الناس. والنخبة هنا، هي سياسيون أو حقوقيون أو أكاديميون أو اختصاصيون في شتى المجالات: اقتصاد، حريات، اجتماع، بيئة، تراث، إعلام... وهو ما يفتقد إليه العرض باستضافة قسم من الشخصيات التي تتناوب على منصبة تستضيف ثلاثة مستخدمين لمواقع التواصل. فـ"الناشط" هنا، يُقدم على انه يدرك كل شيء، وملمّ بكل القضايا، وقادر على تقديم رأي. يقدم على انه "بيعرف كل شي"، ويتمتع بثقافة شاملة. من أي موقع؟ من موقع استخدامه لمواقع التواصل!
في ذلك تزوير للحقائق، وتضليل للرأي العام، وتعدٍّ على مبادئ التلفزيون. قد يمتلك بعض ضيوف معلوف، بالفعل، رأياً صائباً، ويتم تقديمهم على انهم ناشطون. بعضهم متخصص في مجالات تمثل رافعة للبرنامج، لكن قسماً منهم بالفعل، ليس له أي حيثية. وجوده هنا "لزوم ما لا يلزم". وإذا كان من ضرورة لمشاركة أحدهم، أو بعضهم في البرنامج، كناقل لنبض الشارع، ويحاكي شريحة واسعة تغرد من خلف الشاشات، فيمكن استضافته في فقرات محددة على طاولة النقاش الرئيسية. يناقش في الفقرة التي يمتلك رأياً يمثل قيمة مضافة للفقرة، فقط لا غير.
الاستخدام غير الموفق هنا، ينسحب حكماً على تعميم مصطلح "ناشط"، وتكريسه في الميديا، من غير ان تكون له اي حيثية فعلية. هو مصطلح طارئ، يموّه كون المستخدم يقدم معلومة مستنبطة من حركته الاجتماعية. يوفر على وسائل الاعلام عناء البحث عن معلومة، وبالتالي، يساعد الصحافي على ممارسة مهنته في المكتب. أما في حالة الشاشات، فالناشط ليس اكثر من مواطن، له رأيه، يسمعه المئات، وربما الآلاف. لكنه ليس متخصصاً، ولا قائد رأي.
النخبة الاكاديمية والعلمية والسياسية، ما زالت في مكان.. ومستخدمو "تويتر" في مكان آخر.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها