الأربعاء 2017/02/08

آخر تحديث: 18:50 (بيروت)

أهل الغرام .. شيخوخة الدراما السورية

الأربعاء 2017/02/08
increase حجم الخط decrease
لم تعد الدراما السورية قادرة على ابتكار حكايات جديدة، بل دخلت رسمياً في مرحلة اجترار الذات وكأنها في شيخوخة تلفظ معها أنفاس الإبداع الأخيرة. وقد يكون الجزء الثالث من سلسلة "أهل الغرام" الذي يشارف عرضه على الانتهاء هذا الأسبوع، أكبر خيبات الدراما السورية في السنوات الأخيرة، ومرآة تعكس وجهها المسن الذي تعلوه التجاعيد ويشوهه الإرهاق ولا تساعده عمليات التجميل وإبر البوتوكس، المتمثلة بعمل ناجح من سنة إلى أخرى، على الابتسام من دون تصنع.


مشكلة "أهل الغرام" الأساسية أنه يرجع بالذاكرة إلى جزئين أوليين أيقونيين في الأرشيف السوري عرضا قبل أحد عشر عاماً، وكانا بداية تيار درامي ركز على قصص الحب في العاصمة دمشق (سيرة الحب، ..) عبر حلقات منفصلة خفيفة ومسلية مع خلفية اجتماعية عميقة. هذه العودة بحد ذاتها كارثة إبداعية ودليل واضح على نقص الأفكار الجديدة لدى صانعي الدراما الحاليين، من كتاب ومخرجين بشكل خاص، وأشبه بما يتذكره مرضى "ألزهايمر" المسنون الذين يفقدون الصلة بواقعهم الحاضر ويعيشون مع عالم الذكريات في طفولتهم البعيدة. 

ربما لو كانت القصص الجديدة التي يطرحها الموسم الثالث ممتعة ومشوقة ونابضة بمشاعر الحب المستحيل كما كانت عليه في المواسم الأصلية، لكانت المقاربة النقدية مختلفة تماماً، لكن المسلسل يفشل في خلق حالة حب واحدة تجبر المشاهد على الشعور بها عبر الشاشات، خاصة أن قصص الحب هذه لا تبدأ من أحداث درامية متينة ولا من صدف جميلة مبررة في هذا النوعية الدرامية، بل تنحصر باللقاء المباغت والإعجاب السريع والحب من النظرة الأولى. وهي خاصية تكررت في كافة الخماسيات بلا استثناء، وتحديداً في خماسية "الغرام المستحيل" بين جمال سليمان وكندا علوش، وخماسية "امرأة كالقمر" بين قيس الشيخ نجيب وسلافة معمار.

وساهمت عملية التجميل الفاشلة التي طالت شكل المسلسل بتحويله من حلقات منفصلة إلى خماسيات، كما هي الموضة السائدة اليوم في المسلسلات المشابهة مثل "صرخة روح"، في إضفاء كثير من الملل على الحلقات التي لا يحدث فيها شيء سوى تبادل النظرات وشرود الممثلين الصامت. كما أن نصوص العمل التي ألّفها كتاب مختلفون (إياد أبو الشامات، ريم حنا، نجيب نصير، ممدوح حمادة) تمتلئ بالثغرات بداية من السرد الإذاعي الطويل للأحداث، وصولاً إلى نوعية القصص النمطية والمكررة في عشرات الأفلام السينمائية ومسلسلات الـ "Soap Opera" العربية.

ولا يساهم أداء النجوم المميز مثل كاريس بشار وسلافة معمار وديمة الجندي ومكسيم خليل وجمال سليمان وقيس الشيخ نجيب، في رفع سوية العمل وانتشاله من الملل والفشل، كما لا يساهم حضور مخرجين متعددين مميزين (حاتم علي، الليث حجو، المثنى صبح) في تقديم رؤى بصرية مختلفة من خماسية إلى أخرى ولا في تقديم طروحات متعددة مثلاً، ومن المخجل حقاً أن كل تلك الأسماء تفشل حتى اليوم في إخراج فكرة الرومانسية التلفزيونية في الدراما السورية من تنميطها القديم المتمثل بالحوارات الثقافية النخبوية حول الأدب والشعر والمسرح.

شيخوخة العمل تمتد إلى تركيز المسلسل على العلاقات الغرامية التي يفصل بين أبطالها فارق كبير في السن، هي قصص مرهقة ومتعبة ومن المزعج متابعتها، ولا تبدو قصصاً طبيعية بقدر ما هي قصص مريضة ونرجسية أحياناً، مثل قصة الرجل الخمسيني الذي يقع بلا مبرر في غرام فتاة في العشرينيات، رغم أنه يرسم كزير نساء عتيق (الغرام المستحيل)، كما أن هذه القصص تفتقد للمحات الذكية في الحوارات والشخصيات الفريدة القادرة على خلق فارق درامي باستثناء شخصية خولة (ديمة الجندي) المميزة في "امرأة كالقمر"، لأنها أصلاً شخصيات مسنة انتهت حياتها سلفاً، وتستمر الشيخوخة في عدم قدرة الكتاب على إنهاء قصصهم إلا بمرض السرطان الذي تصاب به الشخصيات (كندة علوش) أو تموت به شخصيات آخرى أو تتظاهر به شخصيات ثانوية في نوع من الابتزاز العاطفي للأبطال (دانا مارديني).

وفي الأجزاء الأولى كان المسلسل يركز على شخصيات شابة مليئة بالحياة والأحلام والطموحات الجانبية، بعكس ما يعرضه المسلسل اليوم من شخصيات مهزومة سلفاً بعدما خاضت معركتها في الحياة وفشلت ليصبح الحب هو منفذها الأخير للنجاة. كما أن السياق الاجتماعي الذي تميزت به القصص قبل عشر سنوات كان يعطي معنى حقيقياً للحياة البائسة في دمشق حينها، من ناحية التطور الاجتماعي والقانوني وهامش الحريات الفردية، حيث كان فشل كل قصة حب يعود لسبب اجتماعي أو قانوني سائد كالحب بين الأديان والطوائف والعلاقات المادية وقانون الأحوال الشخصية وحقوق المرأة وطبيعة الحياة الاقتصادية الدمشقية، بعكس حالة المسلسل في موسمه الثالث المفصول عن زمانه ومكانه وكأنه يجري في مجرة بديلة أو فضاء مواز.

والحال أن نقل القصص من دمشق إلى بيروت كمكان تجري فيه الأحداث، أدى إلى إضعاف القصص وجعلها تبدو أقرب للدراما العربية المشتركة، مع المبالغة في مظاهر البذخ والترف الذي تعيشه الشخصيات، في اختيارات لملابس والقصور ونوعية الحياة المبهرة نفسها التي يفتقدها معظم اللبنانيين أنفسهم وليس فقط معظم السوريين اللاجئين والمقيمين في بيروت بعد العام 2011، كما أن تصوير بيروت كمدينة شديدة التطور وكأنها مدينة أميركية مستقبلية خيار غريب، ليبدو العمل في النهاية مجرد إعلان سياحي للمدينة التي يعرف كل من يزورها لساعات قليلة، كمية المشاكل التي تعاني منها والإرهاق الذي يعاني منه سكانها نفسياً ومادياً.

بناء عليه يعمل المسلسل على خلق صورة زائفة لواقع السوريين في لبنان، خاصة أنه يطرح أبطاله على أنهم شخصيات عادية من الطبقى الوسطى في سوريا، (فنانة تشكيلية، ربة منزل، طبيبة أسنان، ..)، ولا يقدمهم على أنهم من المجتمع المخملي مثلاً. وربما كان الأفضل تقديم قصص أكثر بساطة، تكون فيها الخلفيات الاجتماعية محركاً للأحداث، كالفقر واللجوء وأحلام الهجرة والخلاص وانتهاء الحرب والعنصرية وغيرها من المشاكل اليومية الحادة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها