الثلاثاء 2017/02/28

آخر تحديث: 18:51 (بيروت)

طوني خليفة و"المثلية": حلقة تنتمي إلى عصر مضى

الثلاثاء 2017/02/28
طوني خليفة و"المثلية": حلقة تنتمي إلى عصر مضى
increase حجم الخط decrease
تناول برنامج "العين بالعين" في حلقة الأسبوع الماضي موضوع المثلية الجنسية ، لكنه عالجها بأدوات وأفكار عصر ظنناه مضى وانقضى. 

فعدا عن الأفكار والمعتقدات البائدة حول المثلية، حفلت الحلقة بعبارات ومصطلحات يحرص الإعلام، منذ فترة، على تجنبها. لكن استبدال المصطلحات، بدا غائباً تماماً عن ذهن طوني خليفة الذي كرر استعمال العبارات والأوصاف السلبية دون أن يشعر بأي حرج. كما ترك عبارات مثل "شذوذ" و"شاذين" لوصف "المثلية" والمثليين، تختال أمامه بكل راحة.

إلى ذلك ذخرت الحلقة بعبارات من عيار "فحشاء" وخطيئة وحرام وفساد إجتماعي... وحتى عندما إدعى الشيخ الضيف إن علم النفس يعرف المثلية بأنها شذوذ جنسي، لم يجد من يردّه. 

المشكلة لا تقتصر على تعدي هذا الشيخ على "كار" غيره، أو على نسبه إلى هذا الغير موقفاً لا علاقة له به. وإنما تتعداه إلى واقعة استضافته الى جانب رجل دين مسيحي في هذه الحلقة، كما في مثيلاتها من الحلقات التي لا علاقة لهما بها، ولا ضرورة لإدلاء أي منهما بدلوه في موضوعها. خصوصاً وأن مواقف رجال الدين المسلمين، لم تشهد أي تغير، منذ زمن، في موضوع المثلية. 

فهم كانوا ولا يزالون يعتبرونها "فحشاء"، ويرفضون ترك مهمة المحاسبة عليها لله. أما رجل الدين المسيحي، الذي كان من المفترض أن تحمل استضافته جديداً، نظراً للتطور الملفت الذي أحدثه البابا فرنسيس في مواقف الكنيسة الكاثوليكية من المثلية، فقد أصر على مخاطبة المشاهدين من عصر ما قبل البابا فرنسيس، مكرراً نظريةً "ما" حول تجدد الخلايا بفعل الإيمان. الأمر الذي جعلنا نتساءل: لماذا لا يستعاض عن هذه الإستضافة، التي لا تقدم شيئاً سوى إضاعة الوقت والتشنج والعصبية، بالتذكير بموقف الدين من المثلية، فقط من باب أخذ العلم به، مجدداً. 

إذا كانت مواقف رجلي الدين متوقعة، فإن المفاجأة الفعلية أحدثتها مواقف الإختصاصي في علم النفس العيادي والبروفيسور المختص بالمشاكل الجنسية والتناسلية. الإثنان أصرّا على التعاطي مع المثلية على أنها مرض يمكن علاجه، مخالفين بذلك آراء كبريات الجمعيات المعنية بالصحة العقلية والنفسية في العالم، التي بدأت واحدة تلو الأخرى، منذ العام 1973، تؤكد أن المثلية الجنسية ليست اضطراباً عقلياً، وصولاً إلى قيام منظمة الصحة العالمية بإزالة المثلية عن لائحة الأمراض في العام 1990. 

لتكتمل الغرابة، كان لا بد من استضافة محامٍ، ليشرح القرار القضائي الذي شكل صدوره مناسبةً لإعداد الحلقة، وهو القرار  الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في المتن، الذي برأ متهمين بالمثلية، معتبراً أن الأفعال المدعى بها عليهم تشكل "ممارسة لحقوق أساسية دون تجاوز". بعد أن أنهى المحامي شرح القرار بدأ بعرض رأيه الشخصي، فسارع إلى تبرئة نفسه من تبني القرار وتعليلاته، مبرراً ذلك بأن العادات والتقاليد الشرقية ترفض المثلية. 

الغريب في كلام المحامي هو اعتباره العقوبة التي تتربص بالمثليين بسيطة، فهي لا تتجاوز السنة حبساً! بعد استخفافه بسنة الحبس لم يعد مستغرباً أن يعتبر أن مشكلة التوقيف هي في فوضى تنفيذه، مطمئناً المثليين إلى أن النص واضح، وأن التوقيف يجب أن يتم عبر استدعاء من قبل الضابطة العدلية. هذا التصريح جعله جزءاً من فريق الهجوم عوض أن يكون من فريق الدفاع.

المفارقة هي أن طوني خليفة كان ينوي، من خلال حلقته، أن يدافع عن هؤلاء الذين لم يختاروا ميولهم ولا ذنب اقترفوه ليتحملوا تبعاته. وقد أعلن ذلك في بداية الحلقة وكرره في ختامها، لكن حلقته تحولت إلى جلسة محاكمة. فحتى الأشخاص المثليين أو المتحولين جنسياً الذين استضافهم، لم ينجحوا في شرح قضيتهم للرأي العام. فحين سئلت رانيا ما الذي تريده أجابت إنها تريد أن يتقبلها الناس، قائلة إن الحيوانات لديها حقوق أكثر منها. 

رانيا، وهي متحولة جنسياً أخذت الحيز الأكبر من الحلقة، وغيرها من الضيوف المثليين والمتحولين، هم أشخاص عاديون، كل ما يستطيعون تقديمه هو شهاداتهم عما يتعرضون له، لكنهم غير مؤهلين لشرح قضية المثلية للرأي العام. فهذه مهمة الخبراء في هذا الملف والنشطاء المدافعين عن حقوق المثليين، كجمعية "حلم" التي قال خليفة إنها رفضت تلبية دعوته، والتي ربما عليها، بعد هذه الحلقة، أن تعيد النظر في موقفها. وذلك لأن استمرار مقاطعتها لمثل هذه البرامج، يترك المجال مفتوحاً أمام ضيوف، كالخمسة الذين فتح الهواء لهم، ليساهموا في تشويه هذه القضية أمام الرأي العام. 

في حين لو شاركت "حلم"، كانت حتماً ستتمكن في نقاشات ما قبل الحلقة من المساعدة في اعدادها، وفي تسمية خبراء واختصاصيين تغير مشاركتهم، بشكل جذري، كل النقاش الذي يدور خلالها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها