الإثنين 2017/02/20

آخر تحديث: 15:37 (بيروت)

"المنسق": اسرائيل تلغي الدور المدني للسلطة الفلسطينية

الإثنين 2017/02/20
"المنسق": اسرائيل تلغي الدور المدني للسلطة الفلسطينية
الشعار: "من الجمهور الى الجمهور، منا وإليكم"
increase حجم الخط decrease
اتخذت البروباغندا الاسرائيلية منذ نحو عام، نهجاً جديداً ولافتاً، تجلّى بإطلاق موقع الكتروني رسمي على "الإنترنت" خلال الأيام الأخيرة تحت اسم "المنسق"، الخاص بـ"منسق اعمال الحكومة الاسرائيلية في المناطق الفلسطينية"، يوآف مردخاي، ليُضاف إلى صفحته الخاصة في فايسبوك وقناة له في "يوتيوب"، بهدف تحقيق "التواصل المباشر مع سكان الضفة الغربية وغزة"، بمنأى عن السلطة الفلسطينية وحتى عن حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
هذا الموقع الجديد اعتبره مردخاي، بمثابة موقع (مدني- اقتصادي) لنشر الاخبار المتعلقة بالخدمات التي يقدمها للسكان الفلسطينيين، فيما ظهر وزير جيش الاحتلال افيغدور ليبرمان في "فيديو" أُنتج خصيصاً للترويج لهذا الموقع واهميته "كمصدر وثيق للمعلومات وكمقدم الخدمات للجمهور الفلسطيني". 

وقال ليبرمان في الفيديو: "نريد حواراً مباشراً مع الجمهور الفلسطيني وأن نفسح له المجال للاستماع، من دون الحاجة إلى وسيط أو الاعتماد على وسائل الإعلام العربية التي لا تميل نحو الموقف الإسرائيلي ولا قليلًا، وأنا مستعد لإجراء حوار مباشرة عبر الانترنت مع الفلسطينيين ولتلقي الاسئلة والإجابة عليها بواسطة موقع منسق أعمال الحكومة في المناطق" ، حسب قوله.

بالعودة إلى الوراء لسنوات قليلة، نجد أن هذا "النهج" الذي يقوده الجيش الاحتلال الاسرائيلي نيابة عن المستوى السياسي وصناع القرار في تل ابيب، يعود إلى عام 2013 عندما بدأت المؤسسة العسكرية تفكر بخطة مفادُها "تعزيز السلم والهدوء الميداني عبر التسهيلات الاجتماعية والإقتصادية". 

غير أن هذه الخطة تعززت في عهد وزير الجيش افيغدور ليبرمان، إذْ ترتكز على مبدأ ادارة الوضع القائم وترسيخ السلام الشعبي الاقتصادي، بشكل تتجاوز فيه الحلول السياسية المصيرية، وهي الخطة التي تتوافق مع رؤية اليمين الاسرائيلي الذي يتزعمه رئيس الحكومة بنيامين نيتنياهو، إذ لطالما كان "السلام الاقتصادي" عنوان برنامجه السياسي والانتخابي منذ اللحظة الأولى، والذي يُراد به الإلتفاف على الحل السلمي للقضية الفلسطينية.

بديل من السلطة الفلسطينية

الحكومة الاسرائيلية اعلنت منذ فترة أن لديها بديلاً من السلطة الفلسطينية وانها قد تذهب الى توسيع "الخدمات المباشرة" للمواطن الفلسطيني بعيداً من السلطة. فهذه الفكرة الإسرائيلية، بحسب مراقبين، تقوم على إضعاف الدور المدني للسلطة والحفاظ على دورها الأمني فقط، وبالتالي فإن خدمات الجمهور المتمثلة بمنح تصاريح العمل والعلاج في اسرائيل، علاوة على "التسهيلات" للمناطق الفلسطينية تكون مباشرة ومن دون التنسيق مع هيئة الشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية.

أخطر ما في الموقع الإلكتروني لـ"المنسق" يكمن في الشعار الذي يطرحه وهو: "من الجمهور الى الجمهور، منا وإليكم"، وإتاحته لإمكانية تبادل المعلومات.

ويقول استاذ الاعلام في جامعة بير زيت د.نشأت الاقطش لـ"المدن": "عندما تنظر إلى الموقع الإلكتروني او الى الصفحة الخاصة بالمنسق في فايسبوك، فإنك لا ترى الاحتلال، فالاحتلال هُنا مقنّع ويقدم نفسه للجمهور على اساس انه يقدم خدمات وانه يمكن للمواطن الفلسطيني ان يتواصل مباشرة معه من دون اي قيد من أجل مساعدته".

وإذا ما تتبعنا صفحة "المنسق" الفايسبوكية او موقعه في الانترنت، سنجد أن اخطر ما يتم تداوله هو الأرقام التي ينشرها يؤاف مردخاي، حول عدد الفلسطينيين الذين تمكنوا من الحصول على تصاريح عمل داخل اسرائيل والمستوطنات، أولاً بأول، بُغية تحفيز اطياف واسعة من السكان الفلسطينيين للتواصل المباشر عبر العالم الإفتراضي والرقمي. على سبيل المثال، يكتب مردخاي: "في منتصف هذا الاسبوع تمكن 46 ألفاً من سكان يهودا والسامرة من الحصول على تصاريح عمل"، فهنا نقع في سياق خطورة الأرقام والمصطلحات التي يستخدمها ليكرسها في الوعي الفلسطيني في آن.

إسرائيل بوجه "إنساني"

الاحتلال الإسرائيلي لا يتوانى عن إظهار نفسه من خلال هذه المنصات الاعلامية بانه "انساني" إلى اقصى حد، فتراه ينشر صورة لجندي اسرائيلي وهو يساعد امرأة فلسطينية عجوز عند أحد الحواجز في الضفة الغربية، إذ ان الاحتلال يحاول أن يدخل عبر هذا العالم الإفتراضي إلى "قلب" الجمهور الفلسطيني من زوايا الإنسانية والحاجة. 

ويرى الاقطش أن خطورة "فكرة التعامل المباشر" مع الاحتلال تكمن في اضطرار "اناس بسطاء لتزويد المنسق بالمعلومات التي تنطوي على حساسية وطنية شديدة، فهم سيزودونه بمعلومات لا يعرفون مدى خطورتها".

ولعل السؤال الأبرز في هذا المضمار: لماذا اختارت اسرائيل ان تدخل الى الجمهور الفلسطيني عبر المنصات الرقمية وليس عبر مقار "الإدارة المدنية الإسرائيلية التابعة لجيش الاحتلال" في الضفة الغربية؟

المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد، يعتقد أن شبكة الانترنت والفايسبوك وفرت على اسرائيل كُلفة اقامة البُنى التحتية اللازمة لاستقبال الكم الكبير من "الفلسطينيين المُراجِعين"، ما يعني توفير الجهد والمال على الاحتلال الاسرائيلي، علاوةً على أن "الشبكة العنكبوتية" تُتيح التواصل مع السكان الفلسطينيين بشكل أعمق وأكثر اتساعاً وراحةً، إذ أن الإتصال الوجاهي لن يُوفر هذه الميزة.

ويضيف شديد لـ"المدن": "البروباغندا الإسرائيلية الكامنة في موقع "المنسق" تتجلّى في توظيف الإدارة المدنية الإسرائيلية، للقوة الناعمة، من أجل إظهار نفسها بأنها الأحرص على المواطن الفلسطيني وقضاياه الحياتية وتحسين اوضاعه، اعتقاداً منها ان هذا السلوك يمكن ان يغير المناخ الميداني والسياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة عبر نشر ما يسمى الثقافة السلمية".

يُضاف ذلك الى "الدعاية" اللتي توجهها اسرائيل للمجتمع الدولي عبر الزعم بأنها لا تدخر جُهداً لتقديم المساعدة الإنسانية اللازمة للشعب الفلسطيني لتحسين اوضاعه الاجتماعية والإقتصادية.

تفاعل شعبي وصمت رسمي

ونجد تفاعلاً ملحوظاً ولافتاً مع صفحة "المنسق" مردخاي في فايسبوك، من قبل فلسطينيين يقيمون في الضفة او غزة، سواء بالسلب او الإيجاب، لا سيما أن الصفحة تمكنت منذ اطلاقها على مدار عام، من الوصول إلى عشرات الألوف من العرب والفلسطينيين، وتطمح اسرائيل بأن تضاعف عدد المعجبين بالصفحة، إذ أنه كلما زاد العدد ستكون أعداد ضخمة من الفلسطينيين مضطرة للتعامل المباشر مع "المسنق"، خاصة في ظل توقعات بتقزيم وتراجع دور السلطة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، وبعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

ويقابل المساعي الاسرائيلية، صمت مطبق من قبل السلطة الفلسطينية إزاء صفحة "المنسق"، فيتساءل الرأي العام: ما سر سكوت السلطة على ما يجري من محاولات لسلب دورها؟.. لماذا لا تقوم بحملة مضادة؟.. لماذا لا تحتج؟.. لماذا لا تُبادر إلى توعية الجمهور الفلسطيني اتجاه خطورة ما يجري؟.

مصدر سياسي مقيم داخل الخط الأخضر يرى أن السلطة الفلسطينية في عهد ترامب بدأ نجمها بالأفول، مضيفاً لـ"المدن": "ليبرمان ونتنياهو يريدان إضعاف الدور المدني للسلطة الفلسطينية، بل وتوفير "الممثل البديل" في حال انهيارها او استقالتها، حيث يتمثل هذا البديل بإعادة زمن "روابط المدن والقرى" من جديد، لكن الكترونياً، وذلك محاكاةً لعهد "روابط القرى" التي شكلتها اسرائيل من بعض الوجوه العشائرية والبلدية في المناطق الفلسطينية ابان الثمانينيات للإلتفاف على دور الحركة الوطنية، آنذاك، حيث تم تخوينها من منظمة التحرير الفلسطينية وأطياف شعبية واسعة".

ويظهر الإبتزاز من وراء هكذا سيناريو في أنها "لو رفضت السلطة الفلسطينية القيام بدورها الأمني أو أنهت التنسيق والتعاون الأمني مع اسرائيل، فإن هناك بدائل تتمثل في روابط مدن جديدة تستغني عن دورها".

من جهة ثانية، علل مصدر فلسطيني مطلع (رفض الكشف عن اسمه) "صمت" السلطة اتجاه الدور الغريب الذي يقوم به "المنسق" الإسرائيلي على صفحته، وإطلاق موقع الكتروني مؤخراً لهذا الغرض، بأن السلطة لا تستطيع أن تقبل أو ترفض التسهيلات الإسرائيلية.

وأوضح لـ"لمدن" أن السلطة قبلت منذ البداية بالمميزات المتمثلة ببطاقات VIP للسياسيين وPMC لرجال الإقتصاد، الأمر الذي أوقعها في "المطب" الذي لم تتمكن من الخروج منه لاحقاً، وتلافي الهدف الإسرائيلي الرامي إلى إضعافها وإيجاد أطر تمثيلية أخرى".

ولذلك، يرى هذا المصدر أن خوف المسؤولين الفلسطينيين على مصالحهم الشخصية والامتيازات، يجعلهم صامتين حيال ما يجري على هذا الصعيد، هذا إن علمنا أن اسرائيل عاقبت عدداً من المسؤولين في السلطة -الذين انتقدوها- بسحب بطاقات VIP منهم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها